كيف لنا أن نحصّن ثقافة الطفل ؟
رحيم رزاق الجبوري
في ظل تعدد وتزايد المتغيرات العالمية والمجتمعية المعاصرة واتساع رقعة الثورة المعلوماتية الهائلة، وتأثيراتها الكبيرة التي تلقي بظلالها على الشعوب بجميع شرائحها. بات الطفل معرضا بشكل كبير لهذه العوامل المؤثرة؛ كونه خامة يافعة وقابلة للتغيير سلبا أو إيجابا. ولذلك يمثل التصدي لردع هذه التيارات من قبل القطاعات المعنية بالطفولة في البلاد تحديا كبيرا وشاقا؛ من أجل تحصين وتنمية ثقافته؛ ووضعه بالطريق السليم.
وفي بلادنا دائما ما يتجدد الحديث عن كيفية بناء هذه الثقافة الرصينة للطفل العراقي وكيفية زرعها فيه، لأنه المعني الأول بمستقبل البلاد ويعد نواة تقدمه.
فلا بد من انطلاق هذه اللحظة الراهنة، وتجنيبه هذه السلوكيات المنحرفة والشاذة التي بدأت تنهش بعقله وفكره وبنيته الجسدية.
الفكر الغربي
يقول د. جاسم محمد صالح (باحث معرفي في أدب وثقافة الأطفال): “إن الفكر الغربي ركز في رؤيته لأدب الطفل على أنه وسيلة للهو والترويح وقضاء الوقت وفي أفضل ما يكون وبصورة خيالية بعيدة كل البعد عن الواقعية والمنطقية التي تعلمناها نحن في ثقافتنا الاجتماعية والتربوية والتي نطمح لأن نغرسها في نفوس أبنائنا الصغار، من خلال ما نقدمه له من أحداث وطنية وسير لشخصيات فاعلة وبناءة مستمدة من واقعنا وتراثنا الذي عشناه ونعيشه، فهي قريبة جدا من واقعنا وتفكيرنا، نعيش أحداثها أولا بأول، شخصيات إنسانية فاضلة، من الممكن أن يقتدي بها أطفالنا ويكونوا من خلالها بناة للمجتمع والوطن الذي نعيش فيه”.
الهوية الوطنيَّة
ويضيف: “إن مشروع ترسيخ الهوية الوطنية للطفل العراقي من أهم الضروريات في أدب الطفل العراقي، لان أدبا بلا هوية لا يمكن أن يعد أدبا حتى ولو امتلك كل المقومات الشكلية والفنية للأدب، فالهوية في الأدب من الضروريات الملحة، وهي التي تعطيه البقاء والديمومة والنجاح، فلو رجعنا إلى الوراء وألقينا نظرة سريعة لأهم الأعمال الأدبية التي خلدت على مر السنين؛ لوجدنا على الفور أنها تلك الأعمال التي عبر فيها الكتاب عن هويات بلدانهم أحداثا وسلوكا وتاريخا وتراثا، مثل: (ألف ليلة وليلة) و(تغريبة بني هلال) و(سيرة عنترة بن شداد) و(سيرة علي الزيبق) و(سيرة الأميرة ذات الهمة) و(جابر وجبير)، هذا بالنسبة للكبار، أما للصغار فان المسألة تأخذ أهمية اكبر عمقا وأكثر تميزا، فخير لنا ألّا نكتب للطفل من أن نكتب له أدبا خاليا من الهوية، فالأدب الذي أريده للطفل هو ذلك الأدب الذي يبنيه بناء إنسانيا، مستندا على الشذرات النيرة في تاريخنا عبر آلاف السنين”.
تربية أدبية
ويختتم: “أن الأدب يشحن الطفل ويملأه توجها واندفاعا نحو الأفضل ونحو أي فعل إنساني مستمدا تلك النزعة الاندفاعية من الشخوص التي تميزت في مواقفها وفي طرحها وفي انحيازها لثقافتها وتاريخها ولغتها وللتراث الذي تشبع فيه وتعلم منه الشيء الكثير، وإنه حالة متقدمة في فن الكتابة، بل هو من أكثر الفنون الأدبية صعوبة على الإطلاق، فمن يريد أن يتصدى لهذا النوع من الإبداع عليه أن يكون ملما بالمفاهيم التربوية، وتربويا بالمستوى النظري والتطبيقي، وممتلكا للمصداقية التي تحببه لدى غالبية الأطفال الذين يتم التعامل معهم من خلال اللغة والمعنى تحقيقا للتواصل المطلوب، وممتلكا لناصية الإبداع الممتلئ خيالا وتشويقا وسلاسة وبراعة في الصياغة”.
إشكاليات التربيَّة الحديثة
وتؤكد د. أسماء عبد الجبار (رئيس قسم الطفولة في مركز أبحاث الطفولة والأمومة بجامعة ديالى) أن تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صحيحة وسليمة ليس أمرا سهلا في ظل التحديات والانفتاح على العالم بطرق تخبطية غير مدروسة.
مضيفة بالقول: “أصبح من أكبر إشكاليات التربية الحديثة هو كيفية حث الأطفال على حب العلم والتعلم والرغبة بالذهاب إلى المدرسة وزيادة فرص التعليم واكتساب مهارات وخبرات تتوافق والانفجار المعرفي الذي يشهده العالم”.
واقع مؤلم
ومن خلال عملها في مركز بحثي يهتم بدراسة أبرز مشكلات المجتمع المعاصر وقيامها بالدراسات العلمية والزيارات الميدانية المستمرة لقطاع التربية والتعليم، تشير بقولها: “تم تنفيذ دراسة تبحث عن أسباب عزوف التلاميذ عن الدراسة فكانت الإجابات صادمة، أهمها: (لماذا أدرس وأتعب ومهنة البلوگر لا تحتاج إلى دراسة) و(لا أحب المدرسة لأن المناهج صعبة).
و(لا أريد المدرسة لأن البيت أجمل؛ ففيه النوم والطعام والهاتف.
واليوم تحديدا يصدر الموقع الفلاني حلقة جديدة للمسلسل...)، وبالتالي أصبح واضحا لماذا الأطفال، يرغبون الهاتف والآيباد والتلفاز؛ لأنها توفر عنصر اللذة والمتعة والراحة، فضلا عن غياب الحساب والمتابعة والنصح والتوجيه من قبل الأهل.
يضاف إلى كل ذلك أن من طرق وأساليب التربية هي وجود القدوة أو النموذج الملهم أمام الطفل فالأب والأم يسهران لأوقات متأخرة جدا، وهم يتابعون التطبيقات المختلفة، في أوقات الطعام والنوم والعمل بعشوائية تخبطية”.
انخفاض مستويات التعليم
وتكمل: “إن البحث دائم عن مبررات لكل سلوك مرفوض؛ حتما سيكون له الأثر السلبي على تربية الطفل الذي يقع ضحية لكل هذه المغريات.
فمن خلال النظر إلى التلاميذ نلاحظ كثرة الأمراض وانخفاض مستويات التعليم والبحث المستمر عن وجود عطل رسمية وأعذار غير مقبولة بعدم الالتحاق بالمدرسة، فضلا عن ضعف دور المدرسة في خلق بيئة حصينة للطفل.
وأصبح دورها تقديم المادة العلمية بأي طريقة كانت والتحصيل هو الهدف الأساس؟ فلم يعد هناك عنصر التشويق لكتابة مقال أو قراءة قصيدة أو رسم لوحة من قبلهم.
وعليه نحن بحاجة ماسة وملحة إلى بناء مدارس جديدة تتوفر فيها الساحات وقاعات اللعب والمكتبات والمختبرات، التي تجعل التلميذ محبا لها، ولمعلمين مدربين على أساليب التعليم الحديثة”.
أهمية التوازن
وتعتبر سلامة الصالحي (شاعرة وروائية): “أن الثورة الإلكترونية وهجومها الكاسح من عجائب وأحلام البشرية، وهي كأي نعمة فأنها تخبئ نقمة تحت مسارها.
وتوجد فيها السلبيات مرافقة للإيجابيات.
فقد تطورت حياتنا وصار بنك الوقت يوفر هناك ويسرف هناك، فكلنا نعاني وستعاني الأجيال القادمة من تأثيرات وسلبيات هذه النعمة، وبالذات الأطفال الذين يقضون أوقاتا طويلة متواصلة أمام شاشات هواتفهم؛ وهذا يؤدي إلى أضرار كثيرة، فقد صرنا نفتقد للأطفال وهي تلعب في الحدائق أو أمام البيوت.
وشيوع مرض التوحد وآلام الظهر، وتعب العيون والسمنة بسبب قلة الحركة.
وأمام فوائده في تطوير عقل ووعي الطفل ومعلوماته.
وهنا تبرز أهمية التوازن والحفاظ على الطفل وهذه مسؤولية العائلة والمدرسة والمجتمع في حصر التواجد أمام الأجهزة بوقت معين لا يؤثر سلبيا على الطفل.
وتمضية الوقت بالرياضة وممارسة الهوايات لتنمية العقل والجمال والإدراك”.
سايكولوجيَّة الطفل
بدورها تشير د. هدى العبيدي، إلى صعوبة فصل الطفل عن العالم الافتراضي الذي خلقه له الموبايل.
فهو عالم خيالي متكامل بالنسبة للطفل الذي بطبيعة سايكولوجيته ميال إلى الوهم أو الخيال أكثر منه إلى الواقع.
ولكي نحصن الأطفال من مخاطر هذا العالم وجب على الوالدين دفعه لتسويغ الوقت وتطويعه ضمن فوائد الإنترنت، ذلك العالم المفتوح دون حدود فكما له مخاطر أيضا له فوائد ولكن العبرة تكمن في التوجيه.
وتضيف الناقدة والباحثة في مجال علم نفس الطفل، قائلة: “علينا البدء بالتوجيه والنصح والإرشاد معه منذ سن مبكرة والتأكيد على تحديد وقت معين لاستعمال الهاتف وإخضاعه للتقييد من خلال البرمجة الإلكترونية الخاصة بالإعدادات بما يلائم عمره والمراقبة غير المباشرة، ومشاركته في جميع نشاطاته، بما فيها ممارسة النشاطات اليدوية والفنية التي له دور كبير وبارز في إفراغ الطاقة السلبية وتحريك الذهن وفتح مخيلته وتفعيل الجانب الجمالي لديه”.
تضافر الجهود
فيما تؤكد أسماء محمد مصطفى (صحفية وقاصّة) بإمكانية تحقيق الحصانة للطفل لو تضافرت جهود أكثر من جهة، من أجل جعل العالم الإلكتروني بوابة لتثقيف الطفل.
ملقية المسؤولية على الأهل أولا، وإدراكهم لأهمية الثقافة، ومواكبة وعي الطفل وبدايات تعامله مع الإلكترونيات التي يقتنونها هم له، وتشجيعه على قراءة الكتب والمشاركة بالنشاطات التي تغذي عقله.
وتمضي مصطفى بالقول: “يجب أن تكون متابعة الأهل لطفلهم بطريقة غير تلقينية وجافة.
وإرشاده إلى الأمور والمواقع التثقيفية، ويسألونه عن مدى استفادته منها وتشجيعه على الاستمرار على ما ينمي موهبته ويغذيها بالمعلومات التي تلائم عمره ووعيه، وتحذيره من متابعة الأمور السيئة والألعاب التي يقف وراءها مجرمون متتبعون، وبذلك تحصل المتابعة غير المباشرة التي يتقبلها الطفل، ولا سيما إذا ما وجد التشجيع والإطراء على ما تحصل عليه من معلومات تسهم في بنائه معرفيا وإنسانيا”.
قدوة
وتختم: “إن الطفل مقلد لأهله، فعليهم أن يكونوا القدوة الحسنة له في استخدامهم التكنولوجيا، وأن يكونوا أصدقاء له في الوقت نفسه لتعزيز الثقة والتقارب بين وعيه ووعيهم.
وفي كل الأحوال يجب أن لا يترك الطفل وحده أمام هذا العالم، وتحديد ساعات معينة لاستخدام الهاتف، حتى لا يكون مدمنا، إلى أن يشب على المفاهيم والقناعات السليمة ويستطيع التمييز بين المحتوى الهادف والضار.
كما يجب أن يكون للمدرسة دور في التوعية والتحصين، من خلال تخصيص درس للقراءة الحرة، يقوم الطفل باقتناء الكتب من المكتبة المدرسية وقراءتها، وقيام المعلم بالتوعية والتوجيه نحو الأمور الإيجابية في أجهزة الموبايل والمواقع الإلكترونية، وأن يتحدث التلاميذ عن الأمور الإيجابية التي تعلموها.
ويأتي دور الإعلام المرئي المتمثل بالقنوات الفضائية في بث برامج توعية تعنى بتثقيف الطفل وحمايته وتحصينه من مساوئ العالم الافتراضي”.