شهر رمضان.. الضيف المبارك

ريبورتاج 2024/03/14
...

 فجر محمد وبدور العامري

تجلس الحاجة ام سامي مع أسرتها، بعد أن أكملت ابنتها الصغرى تزيين البيت وإعداد الركن الرمضاني كعادتهم كل عام، ومع تجمع الابناء والاحفاد واعداد مائدة الافطار، تتلو أم سامي دعواتها وشكرها لله على النعم العظيمة التي اعطاهم اياها، بينما يتضور الآخرون من الجوع وينتظرون السلة الغذائية، التي تعد في كل شهر رمضان، من قبل مجموعة من المتطوعين ويقومون بايصالها الى المنازل والأسر المتعففة. وتقول ام سامي وهي تحمل بيدها مسبحتها الصغيرة: {لا بد أن نشكر الله في كل حين على كل العطايا والهبات التي منحنا اياها، بينما هناك اخوة لنا في الدين يعانون الأمرين}.

تهذيب النفوس
أمل الانسان المذنب ورجاؤه الذي يطمح للوصول اليه في أيام وليالي شهر رمضان المبارك، هي المغفرة يمسح بها ذنوبه وينور صحيفته، ويجبر ما فاته من الخير، وبها يدرك المرء قبول أعماله من صيام وقيام، ويقول رجل الدين فيصل الرميثي: ان المغفرة هي الهدف الاسمى الذي يسعى المسلم في شهر رمضان لنيلها، وقد اعتبر رسول الله (ص) أن من لا يدرك هذا الهدف يكتب من الاشقياء، اذ قال: ان "الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم"، فاذا حرم الانسان المغفرة في أيام وليالي شهر رمضان المبارك، رغم العطاءات العظيمة والفيوضات الواسعة ومضاعفة الاجر وفتح أبواب الجنان وقبول الاعمال، فأنه لن ينال المغفرة في غيره من الايام.

نعمٌ كثيرة
ويكمل رجل الدين الرميثي أن كيفية السبيل للوصول الى هذا الهدف؟ هو بكثرة الاستغفار الذي يعد سفينة الوصول الى المغفرة في هذا الشهر الفضيل، فقد ورد في خطبة الرسول (ص) ان "انفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم" وقوله ايضا "اكثروا من الاستغفار فإن الله تعالى لم يعلمكم الاستغفار الا وهو يريد أن يغفر لكم" ، وتابع الرميثي "ان للاستغفار بركات وجوانب ونعم أخرى أولها "انه آلة النجاة فقد ورد عن الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) قوله "العجب ممن يهلك والمنجاة معه، قيل ماهي؟ قال الاستغفار"، وكذلك من بركاته انه يفتح أبواب السماء ويستجيب الله لحاجات الانسان الدنيوية والاخروية كما في قوله تعالى "استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا"، وهو ايضا يمنع  نزول العذاب، اضافة الى العصمة من تسلط الشيطان على الانسان، كما يبين قول رسول الله (ص) "ثلاثة معصومون من ابليس وجنوده، الذاكرون لله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار".
كما يشدد الرميثي على مساعدة المحتاجين والأسر المتعففة في هذا الشهر المبارك، ويجب ان يفكر المسلم باخيه ويحاول مساعدته قدر المستطاع.

غلاءٌ فاحش
بالرغم من الاجواء المهذبة للنفوس، والشعائر الرمضانية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر كل عام، إلا أن الحاجة ام سامي تشكو من غلاء الاسعار الذي يضرب الاسواق في كل عام، خصوصا مع حلول شهر رمضان اذ ترتفع اسعار  منتجات اللحوم وبعض الحاجات الاساسية في المائدة العراقية.
وهي ترى ان هذا الامر كفيل بتنغيص فرحة قدوم الشهر المبارك على الأسر الضعيفة الدخل.
وبهذا الشأن يوضح الباحث والمختص بالشؤون الاقتصادية الدكتور فالح الزبيدي أن غلاء الاسعار يكثر في شهر رمضان، وغالبا ما يرتبط بجشع التجار الذين يستغلون حاجة الناس لشراء المنتجات الضرورية، ولان الاسواق ترتبط بالعرض والطلب، لذلك كثيرا ما نجد العديد من السلع والبضائع ترتفع اسعارها، دون ان يكون هناك رادع او رقابة.
ومؤخرا اعلنت وزارة الداخلية حملة تفتيش، ستقوم بها خلال شهر رمضان لمراقبة اسعار المواد الاستهلاكية، وذلك استجابة لمجموعة من القرارات والتوجيهات التي اطلقها مجلس الوزراء، بهدف تخفيف تأثير الغلاء على الاسر العراقية في شهر رمضان.
كما ان هذه الحملة  ستستهدف رصد ومحاسبة المتاجر والأفراد، الذين يرفعون أسعار السلع الغذائية بشكل غير مشروع، بالتنسيق مع قطاعات الوزارة.

مساعدة المحتاج
بدا منهمكا بتحضير سلة تحتوي على المواد الاساسية من طحين ورز وزيت طعام، فضلا عن مجموعة من الحبوب والبقوليات، اذ اعتاد مصطفى وسام واشقاؤه وأصدقاؤه على تحضير سلال غذائية يجمعون فيها ما يقدرون على توفيره، ويتوجهون للاسر المتعففة ويرى مصطفى ان هذه الاعمال هي الاقرب الى الله في شهر رمضان، قائلا: "ينبغي ان نفكر بالاخرين خصوصا الاسر المتعففة الضعيفة الدخل، التي لاتمتلك امكانات كبيرة ولاقدرة على توفير مختلف الاطعمة والحاجات الاساسية، لذلك فهو واجب على كل شخص متمكن ماديا، أن يساعد الاخرين ويقدم لهم ما باستطاعته".
ومع اطلالة شهر رمضان تقوم مجموعة من الشباب المتطوعين باعداد سلات غذائية وتبحث عن الاسر المتعففة، وتوصل اليهم مايحتاجونه خلال الشهر الفضيل.

علمٌ وثقافة
ومن فضائل شهر رمضان المبارك انه يهذب النفوس وينزل الرحمة والمودة بين الناس، كما يقول الكاتب والروائي طالب السيد في حديثه عن ذاكرة رمضان، حيث يصف تحضيرات الاسر البغدادية لاستقبال الشهر الفضيل، خاصة من سكنة مدينة الصدر، اذ يتسارع الرجال والنساء في مساعدة الأسر المتعففة غير القادرة على شراء المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية لأيام شهر رمضان، حيث تقوم النسوة بشراء كميات كبيرة من هذه المواد بهدف إعطاء بعض منها لجيرانهم من غير الميسورين ماديا على انها بالدين، ثم التنازل عن ثمنها نهاية الشهر برحابة صدر ودون تجريح، وتابع السيد من اهم الطقوس التي كانت تمارس خلال شهر رمضان، هي تبادل الأطعمة والمشروبات بين الجيران والتزاور وادامة صلة الرحم بين الأقارب من خلال إقامة الولائم المتواضعة على وجبة الفطور او السحور، وكذلك يصف السيد الأمسيات الرمضانية التي تقام ما بعد الفطور والتي غالبا ما يرافق الأولاد الصغار آباءهم فيها، ويكون هذا البرنامج اشبه (بالتعلولة الشعبية ) ،حيث يستضيف احد مشايخ المنطقة الحضور في صالة بيته، تبدأ بقراءة الادعية الرمضانية ثم يقص عليهم احدى قصص الأنبياء لما فيها من عبرة وحكم تنير طريق العباد، فضلا عن تقديم ما لذَّ وطاب من مشروبات رمضانية وحلوى، وبالنتيجة فإن هذه الموقف رغم بساطتها ،الا انها تعني الكثير في مفهوم اخلاقيات الدين الإسلامي، التي أقيم على أساسها مثل المودة والتراحم وجبر الخواطر ونشر حب العلم والثقافة.
كما ان هذه الشعائر تعزز الاواصر المجتمعية وتقويها اكثر.

دعم الفلاح
تضع الحاجة ام سامي ما لذ وطاب من الفواكه والخضراوات، فضلا عن مختلف الاطعمة الاخرى ولكنها تفتقد تلك الاصناف المحلية، التي كانت الموائد الرمضانية تزدان بها فقد حلت محلها المستوردة، مبينة ان تلك الاصناف كانت تمتاز بالجودة والطعم المختلف.
يعزو الباحث والمتخصص بالشأن الاقتصادي الدكتور فالح الزبيدي، حلول المستورد محل المنتج المحلي الى غياب الدعم الحقيقي لتلك المنتجات والفلاح ايضا، وهذا الامر ينطبق على الثروة الحيوانية ايضا، اذ حلت المستوردة مكان المحلية في حين من المفترض ان يلقى الانتاج الحيواني اهتماما اكبر، وبحسب الزبيدي فأن مناسيب مياه الامطار وكمياتها التي هطلت على البلاد في هذا الموسم كانت كفيلة بانعاش هذا القطاع، الذي عانى من سنوات الشح والجفاف التي اثرت بشكل كبير على الثروة الحيوانية.
وفي وقت سابق صرحت وزارة التجارة، عن استعدادها لتجهيز المواطنين بالسلة الغذائية الخاصة بشهر رمضان، مع اضافة 4 مواد جديدة وسيتم توزيعها لجميع الاسر، وبالتأكيد هكذا مبادرات كفيلة بالتقليل من الثقل الذي يقع على كاهل المواطن كل عام اثناء استعداده لشهر رمضان خصوصا للاسر المتعففة، اصحاب الدخل
المنخفض.
كما دعا الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي الى دعم المنتوج الوطني، وتشجيعه في الاسواق من اجل سحب البساط من المستورد، ومنح الفرصة للمنتجات الوطنية من اجل المنافسة في الاسواق واخذ مكانتها الحقيقية بين نظيراتها المستوردة من خارج البلاد.