وجدان عبدالعزيز
كتاب (البنيويَّة والتفكيك) الصادر عن دار الشؤون الثقافيَّة العامة لسنة 2002م، تأليف س. رافيندران، ترجمة خالدة حامد، أكثر من متعة واكتشاف، كونه أسهل كتاب يتحدث عمّا بعد الحداثة متعرضاً للبنيوية والتفكيك في الكتاب نفسه.
يقول راجا راو: (إنَّ أسلوب الكاتب ـ سواء كان يكتب عن أقوام الأزتك، أوعن زهر الغرنوق ـ والطريقة التي ينسج بها كلماته ويفرشها على البياض، هو الذي يضفي طابع التعقيد على وجود الجمل المحمّلة بقيم السلوك السليم في الكتابة..)، وقد ضم الكتاب خمسة فصول تنقسم الى جزأين: الأول حمل عنوان (البنيويَّة)، والثاني حمل عنوان (التفكيك)، وما بين الجزأين ضم الكتاب خمسة فصول.. فكان لزاماً علينا تعريف البنيوية، كونها منهجَ بحثٍ مستخدمٍ في عدة تخصصات علميّة تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن أن تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية، إذن هي طريقة تستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، أو الأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص، مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي وعلم الإنسان، الذي يعنى بدراسة الثقافات المختلفة، (ونظراً لأن البنيوي يهدف الى تحديد الشروط، التي تسمح بخلق قصيدة ما، أو رواية أو مسرحية، فإنّه يهتم بنسق الاعتقادات والمفاهيم، التي تجعل من هذه النتاجات الأدبيّة ممكنة، ويقتصر اهتمام البنيوي على النسق الأدبي، مثلما ان النحوي يهتم بالنسق النحوي، الذي يجعل من الممكن إنتاج الجمل التي لها معنى)، ونقلت المترجمة في هذا القسم الفرق بين اللغة والكلام، فاللغة نسق (وان كل شخص يستعمل اللغة يحمل في ذهنه إدراكا بمبادئ اللغة ومواصفاتها، ويكون ضمن نسق تلك اللغة)، بمعنى اللغة مواضعات، بينما الكلام نشاط فردي يتمتع بالجزئية (ومن المعلوم ان الجزء لا يستطيع احتواء جميع صفات
نسق اللغة)، ولهذا وجه سوسير بتحويل الاهتمام من الكلام الى اللغة والمسك بأولوية النسق.. ثم درس العلامة بين الدال والمدلول، حيث (تعرف العلامة بأنّها اتحاد الدال الصورة الصوتيّة، والمدلول هو المفهوم)، ثم تطرق، اي سوسير الى التزامنيّة والتعاقبيّة، حيث التزامن يعني السكون، والتعاقب يعني التحرك والنمو والتطور (من السهل تفسير صلة الفرق بين التزامنية والتعاقبية بالنقد
الأدبي...).
فالتزامنية تعني النسق، ونقلت هنا المترجمة نماذج تطبيقيّة، بعد هذا نقلت اشكالية التتابع والترابط، حيث (نجد ان الكلمات في الخطاب تكتسب علاقات تعتمد على طابع اللغة الخطي، لانها مرتبطة معا في سلسلة)، بمعنى ان التتابعات هي الارتباطات، التي تدعمها الخطية، ويكتسب المصطلح قيمته من التتابع فقط، لأنه يقف في علاقة مضادة بكل شيء يسبقه، أو يعقبه، أو كلاهما.
ثم تطرقت المترجمة الى التضاد الثنائي، وعرفت هذه العملية (بأنها وسيلة تصنفيّة تجعل الفهم ممكنا، فالعالم يزخر بأشكال عدة متباينة الخواص والصفات مثل الأشجار والأنهار والجبال والمحيطات والسماء و...الخ، فكيف يتسنى لنا فهمها وهي بهذا التباين؟.
ونفهمها من خلال التفريق بينها،)، أي الاعتماد على علاقتي المشابهة والتضاد)، وتطرقت المترجمة في الفصل الثاني، وضمن الجزء الاول الى الشفرات الخمس
في قصة سارازين المنشورة في مجلة الثقافة الاجنبية العدد الاول 1991 ترجمة المترجمة نفسها، وفككتها وفق اجراءات البنيوية، وكذلك تعرضت المترجمة في الفصل الثالث الى رواية عودة المواطن وقلب الظلام في تأويل بنيوي ونقلت قول نيتشه: (انه لمؤكد حقا ان الطيور الشجاعة كلها تنطلق طائرة في الفضاء البعيد... في الفضاء النائي القصي! لكنها في مكان ما ستعجز عن الاستمرار وستجثم فوق صارية، او صخور عارية، حتى انها ستكون ممتنة لهذه الخدمات المزرية، لكن من يجرؤ على ان يستنتج من ذلك عدم وجود فضاء فسيح مترامي الأطراف قبالته، وان هذه الطيور طارت الى اقصى بُعد تستطيع الوصول له، إن معلمينا وأسلافنا جميعاً وصلوا آخر الامر الى نقطة توقف!)...