كل شيء في الحياة يعتمد على العلامة ، والعلامة هي اول الكلام ، والمفردة وعاء المعنى ، والمعنى هو نبض المفردة ، فالالفاظ بلا معنى لا قيمة لها ، اذ لابد من رسالة ومرسل ومرسل اليه ، والرسالة هي الكلام والمرسل هو المنشيء والمرسل اليه هو القارئ ، وهيكل الرسالة يتكون من مفردات ، والمفردات تعني الكلام ، ذلك لأن التلفظ هو الحالة المحايثة للتكلم فلا كلام بلا نطق ، واللفظ عند العرب هو اخراج الشيء ، فيقال : (لفَظ الشّخصُ : أخرج ورمى ما في فمه من ريق وغيره ، و لَفَظَ كَلِمَةً : نَطَقَ ، تَكَلَّمَ بِهَا ) وهذا يعني ان التلفظ هو عملية التكلم نفسها ، أو عملية تحقيق الكلام وانتاجه ، فالكلام هو الملفوظ والملفوظ هو نتاج اللفظ وهو انجاز القول بشكله المتعارف لفظا ومعنى .
لاشك ان الشاعر مدرك تماما بأن الاستعارة ليست مهارة بلاغية او شيء من التشبيه ولا حتى أي انزياح يسهم في خلق نوع التخييل بواسطة اللغة ، انما هي -أي الاستعارة - عملية تحويل واحالة من حالة ثابتة الى متخيل قريب متفق عليه بمديات ذهنية محسوسة ومحسوبة في آن واحد ، وهذا التحويل يحتاج الى مشتركات كثيرة بين المرسل والمرسل اليه لكي تتم عملية التواصل على اكمل وجه .
فاللغة هي اهم الاحتياجات الانسانية ، والخطاب اللغوي يمس كل زوايا التواصل الذي تؤديه اللغة ، ولو انطلقنا من ان وعي المتلقي والمعنى يخضعان ـ بعد تحقق التواصل ـ لمشترك ثقافي وومعرفي واحد ، سنصل الى اننا امام تمرحل المعاني وتغير المعجم اللغوي المشترك او تسيد بعض المفاهيم الايديلوجية التي تمارس اغتصاب اللفظة وتخرجها من معناها الى المعنى السياسي الجامد المنغلق.
يقول رولان بارت (( إن اللغة ما أن ينطق بها حتى وإن ظلت مجرد همهمة فهي تصبح في خدمة سلطة بعينها ، إذ لابد وأن ترتسم فيها خانتان : نفوذ القول الجازم ، وتبعية التكرار والاجترار ... في اللغة إذن خضوع وسلطة يمتزجان بلا هوادة )) وإذن هي لغة صاحب الأمر الواجب الطاعة ومن هنا ، نرى عند العرب ، ان فعل الأمر لايكون ( أمراً) الا اذا كان ممن هو اعلى رتبة ومنزلة الى من هو ادنى ، كأن تكون من السلطة الى الشعب ، ومن المدير الى موظفيه ؛ بينما تخرج بقية افعال الأمر مخرج الدعاء والالتماس ، فاذا كانت من ادنى الى اعلى ، صارت دعاءً واذا بين شخصين بالمنزلة نفسها صارت التماسا ؛ هكذا - تماما - كما يذهب رولان بارت الى ان اللغة تخضع للسلطة وتكون من اهم
ادواتها .