ضرائر ولكنْ من نوع خاص ..

ثقافة 2019/05/29
...

حسين الصدر
 
 
- 1 -
تنقل بعض كتب التاريخ قصةً طريفة عن أحد العلماء ، ممن كانت الكتب تُحيط به من كل جانب ، وكان منهمكاً في مطالعاته ومراجعاته ، فقالت له زوجته :
“ والله انّ هذه الكتب أشق عليّ من ثلاث ضرائر ..!!
انّ زوجته تتبرم بالكتب لأنّها تصدّ زوجها عنها، وانشغاله بالمطالعة والمراجعة انما يكون على حسابها – كما تتوهم - !!
 
- 2 -
وجاء في ترجمة الراحل عباس العزاوي ت 1971 – وهو من أصحاب المكتبات الضخمة ذات المخطوطات القيّمة والمطبوعات النفسية وقد تجاوزت أعداد الكتب فيها عشرات الآلاف –
انّ الكتب كانت في حالة تكاثر وازدياد وضاقت بها غرف المنزل ، حتى وصلت الى غرفة النوم ، فقالت له زوجته :
( آن لك انْ تختار بيني وبين كتبك ) 
اعلام الأدب في العراق الحديث 
ط/ دار الحكمة / ج1 / ص 288 / لمير بصري 
 
- 3 -
وينقل التاريخ عن الشاعر الانكليزي ( جون درايدين ت 1700) انه كان يعيش مع الكتب ليله ونهاره ، مكبّا عليها حتى ضاقت زوجته ذرعا بالأمر فقالت له :
“ ليتني كنتُ كتاباً فأجد في رفقتك وقتا أكثر “
فأجابها :
“ يا عزيزتي “
اذا أصبحتِ كتاباً فلتكوني تقويماً لأستطيع استبداله كل عام “
المصدر السابق / 288
ولم يكن موفقاً على الاطلاق في جوابه ، وكان عليه أنْ يُجيب بما يُظهر حبه واعتزازه بها، مشيراً الى أهمية التواصل مع المعطيات العلمية والفكرية والأدبية والثقافية ...
 
- 4 -
لقد تعلّم المرحوم العلامة الشيخ محمد السماوي (ت 1950 ) طريقة تجليد الكتب وبدأ بتجليد كتبه بنفسه 
وقد حدّثني الدكتور جودت القزويني انه رأى المرحوم العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم وهو يجلّد كتبه فقال له :
ممن تعلّمت تجليد الكتب ؟
قال :
تعلّمت ذلك من الشيخ محمد السماوي .
 
- 5 -
وهناك جريمة كبرى من جرائم النظام الدكتاتوري البائد ، قلّ ان يتعرض لها أحد – تتمثل بما صنع بالمكتبات الضخمة التي اشتملت على الكنوز التراثية التي لا تُقدر بثمن من مخطوطات ومطبوعات ومن تلك المكتبات مكتبه سيدنا الجدّ الامام السيد حسن الصدر ( ت 1354 هـ ) والتي كانت موقوفةً على ذريته ، فامتدت لها يد النهب والمصادرة ، وقد كانت لهذه المكتبة العظيمة شهرتُها العالمية ، ذكرها جرجي زيدان في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية ) ولا نستطيع ان نحصي عدد العلماء والمفكرين والباحثين الذين استفادوا منها ...
نعم 
انّ (القائد الضرورة ) المقبور ناصَبَ العلم والعلماء العداء وهو أول من اغتال كبارهم في العراق ، وحرم الأمة كلها من بركات وجودهم ...
انّ الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر – رضوان الله عليه ( اغتيل 1980) – كان قيمة حضارية كبرى موّنت الفكر بالروائع والبدائع ، لا في علوم الدين فحسب ، بل في الفلسفة والاقتصاد والمنطق وحساب الاحتمالات فضلاً عن نظراته ونظرياته في التاريخ والسيرة ...
 
- 6 -
انّ قوافل الشهداء تُوّجت بدماء كبار العلماء والمفكرين والباحثين العراقيين المبدعين المخلصين في منحى صريح الدلالة على عمق العداء للعلم والدين وكل ما حلّ بالكتب المهمة انما هو فرع من ذلك الأصل ...
 
- 7 -
لقد كان أصحاب المكتبات الشخصية – ايام الدكتاتورية البائدة – في قلق وخوف من وجود هذه المكتبات في بيوتهم ، ذلك انّ حيازة بعض الكتب – التي حرّمت تداولها السلطة الغاشمة – يعتبر من الجرائم الخطيرة وقد دفن بعضُهم كتبه اخفاءً لها ، وحين سقط الصنم وحان وقت اخراجها وُجدتْ وقد عراها التلف ولم تعد صالحة
 للانتفاع ...
 
- 8 -
ونحن انما نشير باقتضاب شديد الى بعض ما جرى على يد تلك العصابات الغاشمة الآثمة لكي يطلّع على ذلك الناشئون الذين لم يشهدوا شيئا من ذلك بأعينهم ، ولكي لا ينسى الآخرون الذين بدأوا يحنّون الى الأيام السود تأثراً بأقوال أيتام النظام الدكتاتوري أو نتيجة الغباء المفرط الذي افترسهم وجعلوا يتخبطون في ما يقولون 
ويزعمون ...