فجر محمد
كان يراقب هطول الامطار بفرح ولهفة شديدين، ابو رحيم الذي عانى في الأعوام السابقة من شح المياه وتأثرت مزرعته، واضطر في أحيان كثيرة إلى تقليل المساحات المزروعة بسبب قلة المنسوب المائي، ولكنه اليوم يتنفس الصعداء نتيجة هطول الامطار بمناسيب عالية، ما يبعث الامل على عودة الزراعة، وانتعاشها من جديد.
وبالاضافة إلى هطول الامطار وعلى مساحات واسعة من البلاد، فقد اعلنت وزارة الموارد المائية أن هناك ارتفاعا بكميات المياه التي اطلقت من سوريا إلى العراق، نتيجة ابرام اتفاق بين البلدين مؤخرا، الامر الذي حقق ارتفاعا نسبيا ملحوظا بمخزون سد حديثة، الذي شهد تناقصا هائلا في الاعوام المنصرمة، وبحسب وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله فإن العراق ابرم اتفاقية مشتركة مع الجانب السوري، لزيادة الاطلاقات المائية مع التأكيد على اهمية الاتفاق، من اجل ضمان زيادة الخزين المائي بالنسبة لسد حديثة، وأوضح ان تلك الاتفاقية تضمنت متابعة البيانات والمعلومات بشكل يومي، في ما يخص التصاريف الداخلة من الحدود التركية السورية مقابل نظيرتها العراقية السورية.
التنمية المستدامة
تنبه الامم المتحدة في اكثر مناسبة على أن المياه حق للجميع، ومع ذلك ما زال هناك اكثر من ملياري شخص في العالم، يواجهون مشكلات متعددة بالحصول على المياه. وترى الامم المتحدة ان المياه ترتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق أهداف عام 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، وعلى وجه الخصوص في ما يتعلق بالجوع والمساواة بين الجنسين، فضلا عن تحقيق فرص افضل في التعليم والصحة والنظم البيئية.
كما أولت منظمة الامم المتحدة المياه اهمية كبيرة جدا، من خلال الاحتفاء بيوم خاص لها بهدف التثقيف والتوعية، خصوصا في ظل ما تعانيه دول مختلفة من شح المياه فضلا عن الجفاف، بسبب الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري.
يصف الباحث والناشط البيئي الدكتور قيس جاسم اهمية المياه بقوله تعالى {وَجَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاْ يُؤْمِنُوْنَ}، اذ من المستحيل أن يعيش الكائن الحي بدون ماء. وتغطي المياه 71بالمئة من مساحة الأرض، والنسبة نفسها أو أكثر من جسم الإنسان، لكن نحو 97بالمئة منها غير صالحة للشرب، بينما أكثر من 2بالمئة من مياه العالم مخزنة في أنهار أو جبال جليدية وهي صالحة للشرب لكن يصعب استخراجها. فلا يبقى سوى أقل من 1 بالمئة فقط من مياه العالم صالحة للشرب.
تغييرٌ ايجابي
كانت الارض مغطاة بالحشائش والاعشاب الخضراء، وقطرات الندى تتناثر من حولها هنا وهناك، واشجار الحمضيات تتلون بالوانها الزاهية الخضراء والبرتقالية، وعلى مقربة منها كان يقف أبو رحيم الذي يعيش مع عائلته في هذه المزرعة الصغيرة، ويهتم بها ويرعاها كأنها احد افراد اسرته ويبدو ابو رحيم سعيدا ومترقبا لموجات الامطار التي اعلن عنها في وقت سابق.
وعن التغيرات المرتقبة تبين الاكاديمية والجيولوجية الدكتورة هبة المعمار ان موجة الامطار التي رافقت هذا الموسم، ساهمت وبشكل كبير في تعزيز الخزين المائي وتغذية المياه الجوفية، فضلا عن الاهوار خصوصا بعد المواسم الشديدة من الجفاف التي كان فيها منسوب الامطار قليلا، اما في هذا الموسم فقد بلغت كميات الامطار معدلات اعلى بكثير عن تلك السابقة.
لافتة إلى ان موجة الامطار الاخيرة ادت إلى زيادة مناسيب المياه في روافد نهر دجلة، فضلا عن ان الامطار التي تساقطت في المناطق الشمالية ستساهم هي الاخرى في ملء سدود الموصل، ودربندخان ودوكان، والثرثار وانعاش الامال بموسم زراعي وفير وصيف خالٍ من الجفاف، كما تعرضت بعض مناطق شمال العراق إلى سيول مثلما حدث في محافظة دهوك ويعزى حدوث السيول إلى عدم وجود سدود وبحيرات معدة لخزن المياه بحسب الاكاديمة المعمار، اذ إن وجود السدود من شانه التقليل من خطر السيول، وفي الوقت ذاته الاستفاده من خزن المياه.
غياب السدود
هناك اهمية كبيرة لبناء السدود في البلاد، وفي مقال سابق لرئيس الجمهورية الحالي عبد اللطيف رشيد فان الوضع الهايدرولوجي في العراق ودول المنبع المجاورة يتسم بالتذبذب بالايرادات الفصلية والسنوية، مما يؤثر بشكل سلبي على الخطط الزراعية وبالاخص الصيفية منها، كون الايرادات فيها اقل ما يمكن وهذا يعني انخفاض المناسيب المائية في الانهار، حيث ان فترة الايرادات العالية تكون خلال فصل الربيع وهي لا تخدم الموسم الزراعي الشتوي ولا الموسم الزراعي الصيفي، لذلك فإن إنشاء السدود يعتبر ضرورة ملحة تأمين وتنظيم المياه اللازمة للري، من خلال خطط تشغيل صيفية وشتوية مبنية على سياسة تشغيل مركزية لتلبية الاحتياجات المائية على مدار السنة للقطاعات المستخدمة للمياه كافة، وفي مقدمتها القطاع الزراعي الذي يستهلك بحدود 85 % من حجم المياه المتاحة، كما يؤخذ بنظر الاعتبار خلال السنوات الشحيحة، تأمين حجم معين من الخزين للسنة التالية في حالة استمرار الشح لسنة ثانية، لغرض تأمين الاحتياجات المائية بالحد الادنى للقطاع الزراعي وتأمين مياه
الشرب.
ادارة رشيدة
عندما تهطل الامطار تذهب سدى دون الاستفادة منها، في حين من المفترض أن تكون هناك اليات مختلفة للاستفادة منها، وتوضح الاكاديمية والجيولوجية الدكتورة هبة المعمار أن العراق يحتاج إلى تبني سياسة، تدعم تخزين وادارة المياه وبناء السدود فضلا عن تبني سياسة حصد مياه الامطار اسوة بدول العالم المتقدم، والتي تعد شكلا من اشكال الاستدامة.
مشيرة إلى مساهمة عمليات الحصاد المائي في توفير المياه، للاستخدام المنزلي فضلا عن دعم النظام البيئي وتحسين امدادات المياه العذبة، ودعم الزراعة والري وزيادة المساحات الخضراء وتغذية المياه الجوفية.
وتوضح المعمار مصطلح حصاد المياه، وهو يعني تجميع مياه الامطار الساقطة خلال فترة زمنية من الدورة الهيدرولوجية، التي تبدأ من وصول الامطار إلى اسطح المباني والاراضي أو حجز المياه، بهدف التخزين والاستفادة ومن ثم معالجتها لاستخدامها كمياه شرب أو للزراعة، وزيادة المساحات الخضراء فضلا عن توفير المياه عند نقاط الاستهلاك عوضا عن اهدارها.
آثارٌ صحيَّة
تشكل المياه جزءا مهما وضروريا لحياة الانسان، ويرى الباحث والناشط البيئي الدكتور قيس جاسم أن التعرض طويل الأمد لتلوث المياه له آثار صحية مزمنة. يمكن أن تتراكم الملوثات مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الصناعية في الجسم بمرور الوقت، مما يؤدي إلى مشكلات صحية مختلفة مثل السرطان والاضطرابات العصبية ومشاكل الإنجاب وتشوهات النمو.
وينوه جاسم بأن الطبيعة تعد من احد الأسباب الرئيسية لتلوث المياه، اذ يحدث في بعض الأحيان ذوبان المعادن الثقيلة بمياه الامطار في المقالع المكشوفة أو بالحمم البركانية مما يؤدي إلى تلويث المحيطات، والأنهار والبحيرات والقنوات والخزانات المائية. ومع ذلك، فإن السبب الأكثر شيوعاً لرداءة نوعية المياه هو النشاط
البشري.