صباح محسن كاظم
الحياة مسرح لكل من يعيش دوره ويغادره بتفوق أو بفشل ، المسرح هو الجمال، الحلم، الإنتظار، الأمل، الثورة، الرفض.. خشبة العرض صيرورة وجودنا، أناقة أرواحنا، بكل أفراحها وإنكساراتها، فلا حياة بلا مسرح ولا مسرح بلا حياة.. نجاح دور من يمثلنا يتوجب : النص المحكم، وتقنية الإخراج العالية، وسينوغرافيا لمكملات العرض المؤثر.
المسرح لغة عالمية سواء عرقت العروض، أو مصرت، أو لبننت لتتكيف مع الواقع المحلي تبقى جذوة الحدث وثيمته وفق منظور الإخراج ونجاح الأداء.. في كتابه المهم “مسرحة الآلام تحويلات المسار ونقد المقدس” الصادر عن دار نينوى 2019 ب218 صفحة من الحجم المتوسط ، يستعرض أمجد ياسين النصير ، أرشفة وقراءة نقدية لعروض مسرحية عراقية، برؤية حداثوية، اعتمد فيها منهجية التحليل لا الوصف وحددها زمنيا من 2013- 2018 والمرحلة تعد ذروة الأحداث المعاصرة المحلية، والعربية، تحولات سياسية، ظهور داعش، العنف، صراع الهويات، والأثنيات، الفساد المالي فضلا عن إنحسار الدعم للثقافة والفن بسبب الوضع المأساوي العربي برمته.
بوعيه العميق، وذائقة جمالية أهلت النصير ليدرس تلك العروض المسرحية دراسة وافية، كافية، محللا وناقدا مكامن المخلل، مؤشرا على مواطن الجمال بحساسية مفرطة في التقييم المعياري الحقيقي، دون مواربة ووجل، وإضفاء طابع الإرتجال.. تناول النصير بفصله الأول :المسرحيات التناصية، مسرحية “إنتظار غودو” الرؤية بعين المستقبل. مسرحية “خريف” إيقاع بطيء لنص مشتعل بالأزمات. مسرحية “رائحة حرب” في التبس الأمر على اللقلق. مسرحية “مكاشفات” قراءة جريئة في ماضي العراق وحاضره. مسرحية “تقاسيم على الحياة” قراءة في عنبر جواد الأسدي.. وإستمر 6 فصولا ينقاش ب131 صفحة، تلك العروض المسرحية برؤية ثاقبة ، ليتحول بمسارات الكتاب نحو الباب الثاني مقالات من 137-216 بجهد جمالي ليوثق ويؤرشف بوعي ينتفع منه كل دارس للمسرح العراقي بأطاريحه الأكاديمية المستقبلية، ويؤشر ماخفي على المخرجين، والسينارست، والممثلين نقاط الإجادة ومواطن الإخفاق، فالنجاح بأي عمل تحدده بوصلة النقد من أجل تقويم وتطوير الأداء، لايوجد أي عمل متكامل بالحياة، فالمثالية المطلقة هي الحلم الطوباوي الذي لا واقع له على رمال الوجود المتحركة، ومسرح الحياة.. أكد المؤلف بمقدمته ص12:(لقد تحول مفهوم الجماعية لصالح الفردية، ومفهوم الوطن الواحد لصالح مفهوم تعدد القوميات والأديان والمذاهب والشعوب، ومفهوم الثقافة والفن، وهما تصنعان الجمال، لصالح مفهوم أنهما يخربان المجتمع ويلوثان عقله الجمعي، ومفهوم الدولة القوية المنتجة لصالح مفهوم الدولة الضعيفة المستوردة لكل شيء….). بذل النصير مابوسعه بتلك العروض لتعزيز قيم المسرح، والارتقاء به لذلك يحسب له كل مارصده عن تلك العروض في ص19 يستعرض مسرحية” انتظار غودو”: ) إن الإنتظار حالة خلق ومقاومة ورفض بغض النظر عن نتيجتها، هو فعل بموازاة فعل آخر، هذه المعادلة لم نرها في المسرحية كأداء، إذ كان الحوار بطلها، ليتحول تدريجيا إلى العنصر الأكثر دينمايكية من الأداء والديكور، والموسيقى /احمد جودت، و السينوغرافيا /كرار كاظم، الذي فضل إظلام المكان وكأننا نعيش في رحم الأنتظار….).. كما بمسرحية “خريف” يؤكد بوجة نظر نقدية ص21: (الرهان على قدرة الممثلين العراقيين هو الورقة الرابحة لكل المخرجين، وإن تفاوتت درجات سلم النص والإخراج صعودا وهبوطا…..) ناقش ثيمة الجلاد والضحية والزنا زين طالبا من المخرج إشباعها بعرضه.. حقا يحتاج من يقدم الكتاب الوقوف على عتبات كل مسرحية تناولها بتلك القراءات النوعية التي تضيء العتمة لخشبة المسرح بمصابيح النقد الجمالي، وكشوفاته كما بالباب الثاني من تلك المقالات الجريئة، والواقعية، والتشخصية، التي أكد بها على التراث والمدارس الحديثه والإرهاب والمسرح وفضح الفساد، وأسماء مسرحية لامعة ومعالجاتها لكل الظواهر على خشبات المسرح.. يؤكد في ص 142.... ( في هذا الجزء، سنتحدث عن النقلة الفكرية للمسرحية العراقية من أشكالها الواقعية النقدية إلى أشكال أكثر تطورا هي الواقعية الفنية، ولعل فترة السبعينييات قد شهدت هذه الإنتقالة المهمة في مسيرة المسرح العراقي..) ثم يستطرد بالكتاب نحو آفاق وفضاءات ونوافذ شرع لها رؤيته بمناقشة موضوعات حساسة (نظرية عراقية للمسرح) مستعينا بتجارب ناجحة لقاسم محمد وأعمال خلدت بالذاكرة العراقية، الواقع، التراث، الحكاية لذا إكتنزت عروضه بقيم الجمال. فيما يتساءل في ص178 لماذا شكسبير الأقرب إلينا ؟ وهو يستعرض عدة أعمال يجمعها القاسم المشترك الصراع على العرش ثيمة رئيسية.. ثم ينتقل ليركز بصفحات على البطل في التراث الشعبي، و الحبكة والصراع، والصورة - المشهد-السينما. موضحا مسرح الدكتور صلاح القصب لتشغل الصورة الثيمة و اللقطة السينمائية المركبة… ثم ينتقل لموضوعات تكمل العرض والديكور وجدل الدلالات.. الكتاب يستحق القراءة أكثر من مرة ووقفة مع مضامينه الجمالية..