نوزاد حسن
في موقف يشبه النكتة أضحكني أحد المتسولين الواثقين من نفسه جدا. يبدو أن ثقة المتسول سواء أكان رجلا أم امراة لا حدود لها. وأظن أن منطق هذه الأيام يجعل من كل شخص واثقا من نفسه. لذا لا أشك أنا، ولا يشك غيري أن الدكتور مصطفى محمود الذي رفض أن يكون وزيرا أيام السادات، كان قليل الثقة بنفسه وبثقافته. فالتجربة عندنا لا تثبت أن أحدا يعتقد بانه ليس اهلا لهذه الوظيفة أو لذاك المنصب. قضية الثقة، والموهبة قضية محسومة، ومن السخف أن يرفض الانسان منصبا يعرض عليه. ذلك لأن خوض التجارب سيصنع قادة تعلموا من خلال
عملهم.
اعود لنكتة المتسول معي. كنت أراه يرتب كومة كبيرة من المال فيها فئات 250 دينارا والألف دينار والخمسمئة دينار، معصورة بيديه المناضلتين. أغرتني فئات العملة الورقية الصغيرة لأنني اعشق «الفكة» كما يقال. ولا تجنب الاحراج عند استخدامي للمواصلات العامة دون السيارة الشخصية، فانا أفضل أن أكون مسلحا بفئات صغيرة تحل إشكال عدم وجود أي فئة صغيرة لدى السائق. اتجهت صوب المتسول ونظرت إليه عدة ثوان فلم ينتبه لي. قلت له «اذا سمحت ممكن تعطيني فئات صغيرة، بدل الخمسة آلاف دينار هذه. ناولته الورقة الزرقاء فطواها ووضعها في جيبه، ثم عد لي كومة من فئة الـ250 دينارا واعطاها لي. ابتعدت خطوات وانا أعد المبلغ فاذا بي اكتشف أن المتسول أخطأ فأعطاني 250 دينارا زيادة. عدت إليه وأخبرته ان هذه الورقة زيادة. ودون اكثرات قال لي خذها هي لك. لا أحتاج إليها.
في الحقيقة اضحكني موقف هذا المتسول الذي القيت بورقته اليه. ومشيت وأنا افكر بهذه النكتة. المتسول الذي يريد أن يتصدق علي. هذا المتسول عنده ثقة لا حد لها. لقد اتقن دوره. تجاوز مطبات العمل كمتسول، وأصبح يعمل بحرفنة، بحيث أصبح يضمن حصوله على كومته من المال الذي يأتيه من جيوب مختلفة.
التسول أصبح عملا احترافيا. وأظن أن حال هذا المتسول هو حال أي فاسد من الفاسدين. اذ تبدأ اللعبة بالانتباه وتعلم سر المهنة. وحفظ خلطة الوصول إلى المكاسب بطريقة لا تثير شك أحد، والاهم من هذا أصبح الأمر متطورا، بحيث يكون الضمير مرتاحا جدا. هل أتحدث عن تطور في اسلوب التسول وأسلوب الفساد. ألا يكون هناك في داخل الفاسد أي اشارة لتجاوز الحدود. فقط الجلوس فوق قمة المال المسلوب.