الحربُ النفسيَّة وتفوق «حماس» الاستراتيجي

آراء 2024/04/18
...

 د. حسين محمد الفيحان 

 الحرب النفسية، حرب لا تستهدف قتل الأرواح وانما تحطيمها من الداخل، أهميتها لا تقل أبدا عن العمليات العسكرية الميدانية وتأثيرها كان حاسماً في الكثير من الحروب والمعارك على مدى التأريخ، لما لها من أثر كبير في بث الرعب بالقلوب والعقول، وبالتالي قيادة الخصوم نحو الهزيمة والاستسلام بعد القضاء على روح المواجهة لديها.

 في حرب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يمارس كل من الجانبين حربا نفسية ضد الاخر، ولكل منهما أوراقه الكثيرة. 

 فحركة المقاومة الإسلامية «حماس» استفادت من عنصر المباغتة في السابع من أكتوبر الماضي بهجومها الذي لم يكن متوقعاً من الجانب الإسرائيلي، وكان الأكبر منذ سنوات طويلة، الأمر الذي أثار ارتباكاً داخل إسرائيل، لدرجة ان كل طرفٍ حاول القاء المسؤولية على الآخر وسط غضب شعبي واسع تناقلته وسائل الاعلام الإسرائيلية، الأسرى أيضا أحد اهم أوراق الحرب النفسية لدى حركة حماس خصوصا مع هذا الكم الكبير منهم، فأطلاق سراح بعضهم و الحديث عن وفاة أخرين في القصف الإسرائيلي إضافة إلى التسجيلات الصوتية و البيانات المستمرة بين حين واخر حول هذا الملف، كلُ ذلك يأتي في أطار الاستفادة من ضغط الرأي العام وذوي الأسرى في إسرائيل و تحقيق بعض المكاسب لاحقا خلال التفاوض أو ربما حتى اجبار إسرائيل على تغيير بعض الخطط على الأرض. 

إسرائيل ايضاً تمارس الحرب النفسية بجميع أشكالها على فصائل المقاومة الفلسطينية، فإلى جانب الحملة الإعلامية الضخمة المرافقة للحشود العسكرية على حدود قطاع غزة، تمطر الطائرات الإسرائيلية القطاع بين الفينة والأخرى بآلاف المنشورات التي تدعيّ بها أن حركة حماس هي العدو الحقيقي لقطاع غزة مطالبتهم بالنزوح جنوباً، فيما تطالب مقاتلي حماس بتسليم انفسهم، كل ذلك يضاف إلى الأدوات الإعلامية لكل من الجانبين ومنها المقاطع المصورة للعمليات العسكرية، وهي تظهر تدمير الأهداف والحصون والعمليات النوعية والبيانات الرسائل المسجلة والحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، كلها في سبيل تحطيم معنويات العدو والتأثير عليه نفسياً. 

وكما قالت وسائل اعلام إسرائيلية قبل بدء العدوان على غزة، «أن إسرائيل جهزت نفسها جيداً لتدمير البنية التحتية لحماس»، الا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تفاجأ خلال عمليته البرية في قطاع غزة من حجم الانفاق التي حفرتها حركة حماس، حتى أن الأنفاق أذهلت الجنود المسؤولين الإسرائيليين الذين يعتقدون أن هناك عدد اكبر من هذه الانفاق اسفل قطاع غزة، وبحسب تقارير إعلامية، كان أحد الأنفاق يكفي لقيادة سيارة، وامتدت أخرى بطول ثلاثة ملاعب كرة قدم تقريباً، و تحت منزل أحد كبار قادة حماس عثر جيش الاحتلال الإسرائيلي على سلم حلزوني يؤدي إلى نفق يبلغ عمقه نحو سبعة 

طوابق.  جيش الاحتلال الإسرائيلي عثر على نوعين من الأنفاق، نوع يستخدمه القادة ونوع يستخدمه النشطاء، وأن انفاق القادة اكثر عمقاً وراحة مما يسمح بفترات إقامة، اما الأنفاق الأخرى غالباً ما تكون أقل عمقاً، وخلال حملته البرية أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اكتشاف شبكة انفاق كبيرة قال إن كبار قادة حماس يستخدمونها وتقع على مقربة من متاجر ومبان حكومية ومساكن ومدارس، وهي مزودة بخطوط انابيب وتيار كهربائي وتهوية وشبكات اتصال وسكك حديد ويقدر كبار مسؤولي الدفاع في جيش الاحتلال الإسرائيلي أن شبكة الأنفاق تتراوح حاليا بين 563- 724 كم، استثمرت حماس بشكل كبير الأنفاق و تستخدمها كقواعد عسكرية وترسانات و تعتمد عليها في نقل قواتها دون ان يتم رصدهم و حماية ابرز قادتها. 

وبذلك فإن سلاح الحرب النفسية أكثر فعالية بيد حركة حماس، نظرا لفرق التجهيزات العسكرية والمعتقدات الأيديولوجية التي تسمح بتأثير مضاعف على الجانب الإسرائيلي، لذلك تواصل كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس نشر مقاطع فيديو توثق عملياتها في استهداف الأليات والعسكريين الإسرائيليين على حسابها في تلغرام وما بها من مشاهد اجلاء جرحى إسرائيليين وآليات مدمرة التقطت بكاميرات الجنود الإسرائيليين دون التوضيح كيف حصلت وتحصل 

عليها.

تفوق حركة حماس في حربها النفسية ضد إسرائيل، ولقاء قادتها مؤخراً بمرشد الجمهورية الإيرانية السيد»علي خامنئي» في طهران، أثار الجنون الإسرائيلي بقصف الملحقية الثقافية الإيرانية في سوريا، وقتل قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى استهداف منزل الأمين العام لحركة حماس «إسماعيل هنية» ومقتل ثلاثة من أولاده وثلاثة من احفاده. ليأتي تصريح وزير العدل الإسرائيلي السابق «حاييم رامون»، قائلاً، «إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة انتهت بهزيمة إسرائيل، هزيمة «استراتيجية».