غيداء البياتي
نعم هو على وجه التحديد العقد الستيني من القرن الماضي، الذي يعده الكثير من العراقيين واحدا من أنضج عقود الثقافة والابداع والابتكار والرفاهية، إن لم يكن الاعظم بلا استثناء في عموم العراق، لأن في هذه الحقبة الزمنية ازدهرت قناديل الابداع في جميع المحافظات فامتدت من البصرة جنوبا حتى زاخو شمالا، نعم انها النار المقدسة تسري في الجسد العراقي تنبئ عن أنواع الافكار والتجارب والابتكارات والابداعات في جميع مجالات الحياة، متمثلة بإصدارات لأنواع من الكتب العلمية والثقافية والأدبية والبرامج التعليمية، والعديد من الابتكارات في مجال الهندسة والطب والصناعة خدمت الانسان والمجتمع، وانارت دروب جيل كامل كان يقرأ عشر وجبات في اليوم، ويأكل وجبة واحدة حتى اغنى عقله بكل العلوم، ولأني انتمي الى جيل السبعينيات اذكر أن برنامجا ثقافيا جميلا كان يعرض يوم الاربعاء من كل اسبوع وعلى مدى 34 عاما عبر تلفزيون العراق يعده ويقدمه كامل الدباغ، أحد رواد المجتمع العراقي باسم «العلم للجميع»، هذا البرنامج أثار بداخل شباب العراق حبا للعلم وللمعرفة، حيث كان للدباغ أثر كبير في حياتهم العلمية والعملية، لانه من خلال البرنامج يفسر ابرز الابتكارات والاختراعات العلمية واحدثها حول العالم بأسلوب السهل الممتنع، الذي يصل الى الطفل والشيخ وربة المنزل.
ليس غريبا بعد ما ذكر ان يتفق الجميع على وصف هذه الفترة الزمنية بمرحلة النافذة الابداعية الاولى على التطور قبل أن تنفتح نافذة التكنولوجيا الحديثة والانترنيت والاجهزة «الذكية الغبية»، التي اغرقت الجيل الحالي في بحر من الرطانة وجعلته لا يميز بين الحقيقة والكذب.
المهم أن هذا الاستذكار لتلك الحقبة الزمنية جاء لمناسبة اليوم العالمي للابداع والابتكار، الذي اعلنته الجمعية العامة للامم المتحدة في 21 نيسان، ليكون يوما عالميا يسلط الضوء على المتميزين والمبدعين في جميع نواحي التنمية البشرية، والذي يهم اكثر هو الحاجة الى اعداد برامج تعليمية وتثقيفية مشابهة لبرنامج «العلم للجميع» وبثه عبر قناة العراقية.
ولأني مواطنة عراقية من «جيل الطيبين» أطالب بالحاح، ومن دون مزاح ان تهتم الحكومة ووزارتي التربية والتعليم وحتى التخطيط بشريحة المبدعين وتتبنى مشاريعهم العلمية، وتستثمر الأفضل منها لخدمة البلد وتطوير المنتج الوطني، لا سيما أن كفاءاتنا العراقية لها بصمتها الواضحة في المحافل والمنتديات الدولية، فمهم جدا احتواء تلك الخبرات ودعمها بدلا من قتل الرغبة داخلها.