اللقاحات.. وسائل صدٍّ وحماية

ريبورتاج 2024/04/25
...

 فجر محمد

سيطر القلق على الأم الشابة عندما رأت صغيرها يعاني من الحمى الشديدة، فلم تتمالك رواء سمير أعصابها وهرعت، وهي تحمل أمجد ابنها البكر، إلى اقرب مستشفى ليتبين بعد التحاليل والفحوصات أنه مصاب بالحصبة، فلقد انتقلت العدوى إليه من أحد زملائه في المدرسة، ولكن رواء تعترف أنها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، نتيجة إهمالها جرع التلقيح، الذي كان من المفترض أن تعطيها لأبنها امجد، وتتلافى تلك العدوى السريعة.
تشير التقارير الحديثة إلى ظهور مرض الحصبة في المستشفيات، وبشكل ملحوظ ولهذا اخذ عدد من الأطباء على عاتقهم نشر التوعية والتثقيف الصحي، وحث الأسر على الذهاب بأولادهم للمراكز الصحية القريبة من منازلهم، بهدف الحصول على اللقاح الضروري.

قلقٌ غير مبرر
كانت عيناه الصغيرتان محمرتين، وسيلان أنفه لا ينقطع، فضلا عن الحرارة التي عانى منها منذ أن اصيب بالمرض، ولهذا كانت تراقب رواء حرارة جسم ولدها، خوفا عليه من الأعراض الجانبية الأخرى.
المختبرية جنان جاسم تبين أن هناك حملات مستمرة، تقوم بها الجهات الصحية المختصة من أجل إعطاء الأطفال اللقاحات الضرورية، غير أن أولياء الأمور غالبا ما يمتنعون عن الاستجابة لتلك الحملات، ففي كثير من الاحيان رافقت جنان زملاءها إلى الكثير من المناطق البعيدة، وطرقوا الأبواب من أجل إعطاء الصغار اللقاحات الضرورية، غير أن الاهالي لم يكونوا على قدر المسؤولية، والتعاون مع تلك الفرق الصحية الراجلة، وفي كثير من الاحيان كان يبدون قلقا غير مبرر من تلك الحملات بل ويرفضونها بشدة. وترى جاسم أن الشائعات التي كانت تبث، وتنشر في مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور سلبي، في زرع الخوف والرعب في قلوب أولياء الأمور وحثهم على الابتعاد عن أخذ اللقاحات، والتشكيك بمصدرها، وهذا الأمر لوحظ بشكل كبير في فترة انتشار الجائحة.

عملٌ جماعي
عدت منظمة الصحة العالمية حملات التطعيم التي بدأت منذ فترات طويلة، من أعظم إنجازات البشرية، فهي قد تمت نتيجة تضافر الجهود الجماعية حول العالم ولم تتركز بمكان واحد فقط، اذ ساعدت تلك الحملات على التقليل من ظهور امراض كانت تستهدف الأطفال خصوصا في مراحل حياتهم الاولية، ومن بينها الحصبة والنكاف وغيرها من الامراض، ولهذا تحتفي منظمة الصحة العالمية في شهر نيسان بتلك الجهود وتشجع عليها، وتحث الدول على إطلاق الحملات في موعدها المحدد، من اجل ضمان حصول أكبر عدد ممكن من الأطفال على اللقاحات الضرورية.

حماية الأطفال
تكمن أهمية اللقاح الثلاثي في أنه يستهدف الحصبة والنكاف والحصبة الالمانية، وهو يعطى للطفل على جرعتين الاولى بين 12 و15 شهرا من عمره، اما الثانية فهي من 4 إلى 6 أعوام، وتجمع الآراء الطبية على أن الاعراض الجانبية لهذا اللقاح غالبا ما تكون مصحوبة بحرارة وطفح جلدي، وفي حالات نادرة جدا تتطور إلى الحساسية من اللقاح ذاته، ومؤخرا بينت الأبحاث والتقارير أن هناك انتشارا واضحا للحصبة، يعزيه المختصون إلى امتناع أولياء الأمورعن اعطاء أولادهم اللقاحات الضرورية، خصوصا في فترة جائحة كورونا.
أطلقت وزارة الصحة مؤخرا بالتعاون مع منظمتي الصحة العالمية واليونسيف، حملة تلقيح وطنية وعلى نطاق واسع جدا، وذلك من اجل حماية الاطفال من الحصبة والنكاف والحصبة الالمانية المعدية، وبحسب وزير الصحة صالح الحسناوي فان الجهود مستمرة للوصول إلى اكبر عدد ممكن من الشريحة المستهدفة. مؤكدا قدرة الجهات الصحية على احتواء الامراض وخصوصا الحصبة.

خطأٌ فادح
استولى القلق والخوف على رواء وهي تراقب ارتفاع درجة حرارة ابنها أمجد، وتقلبه في فراشه وسعاله المستمر، مما اضطرها إلى السهر ومراقبة حالته برفقة والده خوفا عليه أولا، ثم الخوف من انتقال العدوى إلى أشقائه الصغار.
تعترف رواء بارتكابها خطأ فادحا في عدم تحصين ابنها، من هذا المرض المقلق خصوصا وانه قابل للانتقال بسرعة شديدة.
تشعر التربوية هيام لطيف بالاستياء من تردد أولياء الأمور، ومنع صغارهم من تلقي اللقاحات الضرورية، وتستذكر لطيف ما حصل عندما ظهر لقاح كورونا وكيف امتنع عدد كبير من أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم العمرية عن اخذ اللقاح، نتيجة الشائعات والتخويف الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين كانت اغلب دول العالم قد اخذت اللقاح، وبدأت بالعودة إلى الحياة الطبيعية.
وتقول هيام: "نحن نعاني اليوم في المدارس من الامر ذاته، فالكثير من أولياء الامور يتذمرون ويرفضون فكرة إعطاء أولادهم اللقاحات، والكثير منهم يشكك حتى بمصدر ومدة صلاحية اللقاح".
في حين تشير الدراسات والابحاث إلى أن حملات التلقيح والتطعيم، انقذت حياة ملايين الأطفال حول العالم وما زالت الجهود مستمرة في هذا الجانب.
ومن الجدير بالذكر ان حملات التلقيح استهدفت التلاميذ في المدارس، ومن المتوقع أن تستمر الحملات لفترة زمنية معينة، وذلك من اجل تحصين أكبر عدد ممكن من الاطفال وكي تتم السيطرة على المرض بسهولة.
وبحسب الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور سيف البدر فان عدد الملقحين من طلبة المدارس قد وصل إلى أكثر من 4 ملايين طالب من أصل 7 ملايين تقريبا، وهذا يعد أحد اهداف حملة اللقاحات هذه، مما يعني أن اللقاح شمل أكثر من نصف طلاب المدارس.
وبين البدر أن في اليومين الأولين من الحملة، قد تم تلقيح أكثر من 700 ألف طالب، اما اليوم الثالث فقد وصل عددهم إلى أكثر من 900 ألف، ووفقا للبيانات فإن جانب الرصافة وصلت فيه نسبة التلقيح إلى أكثر من 45 بالمئة، في حين بلغ الكرخ 59 بالمئة، والامر ينطبق على المحافظات ايضا التي تستمر بحملات التلقيح.