البلاستيك يغزو طعامنا

علوم وتكنلوجيا 2024/04/28
...

 ساندي لاموت

 ترجمة: بهاء سلمان


«كم كمية البلاستيك التي ستتناولها على العشاء يا سيدي؟ وأنتِ يا سيدتي؟» في حين إنَّ هذا قد يبدو وكأنه سطرٌ مقتبسٌ من إحدى المسرحيات الهزليَّة الساخرة، إلا أنَّ الأبحاث تظهر أنها قريبة جداً من الواقع.

وتمَّ اختبار 90 % من عيّنات البروتين الحيواني والنباتي بأنها تحوي موادَّ بلاستيكية دقيقة، وقطعاً صغيرة جداً من مركّب البوليمر، يمكن أنْ يتراوح حجمها بين أقل من 5 ملم إلى 1 ميكرومتر، وفقاً لدراسة أجريت في شهر شباط 2024. 

أي شيء أصغر من 1 ميكرومتر هو عبارة عن بلاستيك نانوي ويجب قياسه بأجزاءٍ من المليار من المتر.

حتى النباتيون لا يمكنهم الهروب، وفقاً لدراسة أجريت عام 2021، فإذا كان البلاستيك صغيراً بدرجة كافية، فيمكن للفواكه والخضراوات امتصاص المواد البلاستيكيَّة الدقيقة من خلال أنظمتها الجذريَّة ونقل تلك الأجزاء الكيميائيَّة إلى سيقان النبات وأوراقه وبذوره وثماره.


تفاصيل دقيقة

ويمكن للملح أنْ يحمل البلاستك معه، إذ وجدت دراسة أجريت عام 2023 أنَّ الملح الوردي الخشن في جبال الهيمالايا المستخرج من الأرض يحتوي على معظم المواد البلاستيكية الدقيقة، يليه الملح الأسود والملح البحري. 

ويعدُّ السكر أيضاً «طريقاً مهما لتعرّض الإنسان لهذه الملوّثات الدقيقة»، وفقاً لدراسة أجريت عام 2022.

حتى أكياس الشاي، والعديد منها مصنوعٌ من البلاستيك، يمكن أنْ تطلق كمياتٍ هائلة من البلاستيك، فقد وجد الباحثون في جامعة ماكغيل الكندية، أنَّ تخمير كيس شاي بلاستيكي واحد يطلق نحو 11.6 مليار جزيء من البلاستيك الدقيق و3.1 مليار جزيء من البلاستيك النانوي في الماء.

الأرز هو أيضاً من ضمن قائمة الجناة، إذ وجدت دراسة أجرتها جامعة كوينزلاند أنه مقابل كل 100 غرام، نصف كوب، من الأرز الذي يأكله الناس، فإنهم يستهلكون ثلاثة إلى أربعة مليغرامات من البلاستيك، ويقفز العدد إلى 13 مليغراماً لكل حصة تحضير سريع للأرز. 

ويقول الباحثون إنه بالإمكان تقليل التلوّث البلاستيكي بنسبة تصل إلى 40 بالمئة عن طريق غسل الأرز؛ ويساعد ذلك أيضاً في تقليل الزرنيخ، الذي يمكن أنْ يوجد بنسبة عالية في الأرز.

دعونا لا ننسى المياه المعبأة في القوارير، إذ يحتوي لترٌ واحدٌ من الماء، أي ما يعادل زجاجتين من المياه المعبأة بالحجم القياسي، على ما متوسطه 240 ألف جزيء بلاستيكي من سبعة أنواع من البلاستيك، بما في ذلك المواد البلاستيكية النانوية، وفقاً لدراسة أجريت شهر آذار 2024.


مخاطر على صحة الإنسان

وفي حين تمَّ العثور على جسيمات بلاستيكية دقيقة في الرئة البشريَّة، وأنسجة مشيمة الأم والجنين، وحليب الثدي البشري، ودم الإنسان، إلا أنه حتى وقتٍ قريبٍ كان هناك القليل جداً من الأبحاث حول كيفيَّة تأثير هذه البوليمرات في أعضاء الجسم ووظائفه.

وتوصّلت دراسة أجريت في آذار 2024 إلى أنَّ الأشخاص الذين لديهم جسيمات بلاستيكية دقيقة أو جسيمات بلاستيكية نانوية في شرايين الرقبة كانوا أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو الموت لأي سببٍ على مدار السنوات الثلاث التالية بمرّتين مقارنة بالأشخاص الذين ليس لديهم أي سبب.

يقول الخبراء إنَّ المواد البلاستيكية النانوية هي أكثر أنواع التلوّث البلاستيكي إثارة للقلق على صحة الإنسان؛ وذلك لأنَّ الجزيئات الصغيرة يمكن أنْ تغزو الخلايا والأنسجة الفردية في الأعضاء الرئيسة، ما قد يؤدي إلى مقاطعة العمليات الخلوية وترسّب مواد كيميائية، واختلال الغدد الصماء مثل البيسفينول والفثالات ومثبطات اللهب والمواد المتعددة الفلور والمعادن الثقيلة.

وتقول «شيري ماسون»، مديرة الاستدامة في مقاطعة إيري التابعة لولاية بنسلفانيا: «كل هذه المواد الكيميائية تستخدم في تصنيع البلاستيك، لذلك إذا شق البلاستيك طريقه إلينا، فإنَّه يحمل تلك المواد الكيميائية معه. 

ولأن درجة حرارة الجسم أعلى من الخارج، فإنَّ تلك المواد الكيميائية سوف تهاجر من هذا البلاستيك وينتهي بها الأمر في أجسادنا». وتضيف مستطردة: «هذه المواد الكيميائية يمكن أنْ تنتقل إلى الكبد والكلية والدماغ، بل وتشق طريقها عبر حدود المشيمة وتنتهي في الجنين».

تغلغل مرعب

تحتوي جميع أنواع البروتينات على مواد بلاستيكية دقيقة، فخلال الدراسة، تفحّص الباحثون أكثر من عشرة بروتينات شائعة الاستهلاك، بما في ذلك لحم البقر والروبيان المخبوز وأنواع أخرى من الجمبري وصدور الدجاج والناغتس ولحم الخنزير والمأكولات البحرية والتوفو والعديد من بدائل اللحوم النباتية.

وبعد مقارنة النتائج ببيانات استهلاك المستهلك، قدر الباحثون أنَّ متوسط تعرّض البالغين من الأميركان للجسيمات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن يتراوح بين 11000 و29000 جزيء سنوياً، مع حد أقصى للتعرض يقدر بـ 3.8 مليون جسيم بلاستيكي دقيق سنوياً. كما تمتلئ المحيطات بالبلاستيك، وقد أوضح عددٌ من الدراسات كيف ينتهي الأمر بهذه المواد في المأكولات البحرية التي نأكلها. ومع ذلك، فقد تناول عدد أقل من الدراسات الخضراوات والبروتينات الحيوانية البرية، مثل الماشية، وفقاً لدراسة أجريت شهر آب 2020.

ووجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة العلوم البيئية، ما بين 52.050 و233.000 جزيء بلاستيكي في أقل من 10 ميكرومتر، كل ميكرومتر يساوي قطر قطرة المطر تقريباً، في مجموعة متنوّعة من الفواكه والخضراوات. وكان التفاح والجزر أكثر الفواكه والخضراوات تلوّثاً، حيث يحتوي كل غرام على أكثر من 100 ألف قطعة من البلاستيك الدقيق.


وكالة سي أن أن الاخبارية