أوهامٌ رومانسيَّة

آراء 2024/05/06
...

رعد أطياف

من خلال الخبرات الشخصية التي راكمتها تجارب الحياة شاهدت الكثير من العلاقات المؤلمة بين الجنسين. وعادة ما نسقط على تلك العلاقات معنى الحب. الإذلال الذي قد يحدث، وشرود الفكر، والحرمان من لذة النوم، والبكاء في أحيان كثيرة، والأوهام التي تغذي مخيلتنا باستمرار على أننا أنه بدون هذه العلاقة لن يكون هنالك امرأة/ رجل بديل عنها! ليس هذا فحسب، بل تبقّى عقدة التعلّق تلاحقنا حتى آخر العمر.
ثمّة مختبر رهيب يغربل كل هذه الادعاءات حينما يُتَوَّجُ ذلك»الحب» بالزواج؛ فتنتقل العلاقة من طور الجماليات الشعرية إلى طور الواقع الخالي من أي مجاملات. بمعنى أن العلاقة الزوجية تأخذ منحىً آخر لا يعتني كثيرًا بهذه المشاعر»الحبيّة» المبالغ فيها. سيتجلّى الحب وتبزغ كينونته بشكل واضح بمعزل عن أيّ محاكاة مُصطَنَعَة ونزعة صبيانية.
ستكون إدارة الأسرة تربويًا وماليًا وتحديد الإنجاب وتوزيع المهام هي الأولوية، وتتعرض الفوارق الجنسية لاختبارات قاسية؛ كيف سينظر الطرفان لبعضهما، هل سيمارس الرجل سلطته الذكورية المبالغ فيها، أم يتشاركان الحياة بطريقة معقولة؟ هل ستنتقل علاقة الحب إلى طور جديد كالصداقة مثلًا؟ ربما، وفي منتصف الطريق، سيعيد الزوجان النظر في أدبيات الحب القديمة! وقد يكتشفان أن الحب على طريقة الأفلام الرومانسية نكتة غير مضحكة، وإن العطاء بلا مقابل هو التفسير الواقعي للحب، لذلك معظمنا، ربما، يسقط في هذه العلاقة المعقّدة والصعبة، لأنها تتطلب الإيثار، وهذا الأخير لا يتمتع به إلّا أفراد قلائل، فالسمة الغالبة هي أنانية البشر وشعورهم بأنهم أكثر أهمية من الآخرين. بيد أننا لا نطمع بهذه العلاقة السحرية بقدر ما نركّز على مفهوم الحب بصيغته الأكثر واقعية: العطاء المتبادل.
لايوجد أحد منّا ما لم يصادف زوجين لم تكن بينهما علاقة «حب»، وإنما كانت تجري هذه العلاقة طبقاً للأعراف التقليدية. لكنهما، مع ذلك، استطاعا تجاوز أوهام الحب الزائف، ومن خلال المعاشرة الطويلة فهما بعضهما. ليس هذا فحسب، بل تلمسوا نعمة الحب بصيغ عملية خالية من كل صورة مسبقة أو محاكاة.
 مؤكد أن ما يسمى «الزواج التقليدي» ليس حلاً نهائياً، وأن ما نستشهد به هنا ليس لكونه صيغة مثالية متكاملة، و هو لا يخلو من مشكلات بالتأكيد، وإنما توضيح لمن يريد البرهنة و حصر الزيجات الناجحة في علاقات «الحب»، التي تحدث على طريقة الأفلام والمسلسلات الرومانسية.
لكي لا أسيء لكل من أحب بأخلاص وصدق، لا أقصد التهكم على الحب كما هو، بوصفه عطاء متبادل بين الطرفين خال من الشروط الأنانية، أو تمنى السعادة للاخر، بل أتهكم على أوهامنا وتصوراتنا الضبابية، التي تزيف لنا الواقع؛ تزيف لنا علاقة مأسورة بمشاعر سامة (وقاتلة بعض الأحيان)، هذه المشاعر سرعان ما تطفوا فوق السطح في السنة الأولى للزواج(الحبي)، ثم يتضح لاحقاً الحقيقة التالية: كل شيء متوفر في هذه العلاقة إلا الحب.
 بكل الأحوال، لقد قابلت الكثير ممن دخلوا تجربة«الحب»، وانتهت هذه التجارب بخيبات أمل كبيرة: طلاق، أو خيانة، أو لأسباب مادية ونحو ذلك، أو لم تكن حباً على الإطلاق، بقدر ماكانت مشاعر إعجاب تم توظيفها على أنها «حب».
الملفت في الموضوع، أن الرجال الذين قابلتهم ما زالوا يكابدون حالات نفسية مؤلمة، ويندبون حظهم العاثر نتيجة لماحصل، ولاحظت البعض الآخر ينتابهم الشعور بالندم نتيجة للثقة التي منحوها لمن يحبون.
المهم في الأمر، وانطلاقا من تعريف الحب التالي: وهو أن نتمنى السعادة وأسباب السعادة لمن نحب، فهل يقتنع الطرفان بهذا التعريف، أم تبقى مشاعر الألم، والانتقام، هي التعريف الجوهري لكليهما! ويبقى «الحب» عبارة عن «فلم رومانسي» فاشل، تتحكم به الاهواء النفسية، لكننا، رغم ذلك، مصرون على لعب هذا الدور؟