سرور العلي
منذ أن كانت تالا الخليل طالبة جامعيَّة، كرَّست حياتها بمجال التطوع، لإنقاذ حياة الأطفال المرضى، وإطلاق مبادرات إنسانيَّة عدة، لجمع التبرُّعات وشراء العلاجات والهدايا لهم، وإقامة سفرات ترفيهيَّة وحفلات وأنشطة، لرسم البسمة على وجوههم، كما قامت بتنمية مهاراتهم ومواهبهم، ورافقت أطفال متلازمة «داون». نجحت الخليل وهي صيدلانيَّة من محافظة البصرة عام 2016، بإنشاء أكاديميَّة المحاربين، لتهتمَّ برعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى السرطان، لتكون قدوة وسنداً لهم، وملهمةً بتغيير حياة مئات الأطفال العراقيين، وبجهود ذاتيَّة أصبح حلمها على أرض الواقع.
وجاءتها الفكرة حين قامت في بداية الأمر بتخصيص ملحق في مستشفى الأطفال التخصصي في محافظة البصرة، لاستقبال الأطفال المصابين وتقديم الخدمات النفسيَّة أيضاً، فضلا عن جرعات الأمل والحب، لإكمال حياتهم من دون تحديات، وتشجيعهم على الإصرار وتحقيق طموحاتهم، من دون الشعور بالعجز والخوف، وحصلت على دعم مادي من البنك المركزي العراقي، للمساهمة بتجهيز مبنى متكامل بمعدات ووسائل ترفيهيَّة لمدّة ثلاثة أعوام، واستقبلت الأكاديميَّة في بداية انطلاقها مئة طفل مريض.
ونظراً للجهود المعنويَّة والماديَّة التي تبذلها الشابة العراقيَّة في توفير حياة مستقرّة لشريحة الأطفال المرضى لُقِّبَتْ بـ «أمّ المحاربين»، إذ تسعى بالوصول لأطفال العالم كافة، وتقديم المساعدة والرعاية الكاملة الطبيَّة والنفسيَّة لهم، ومد يد العون لتقبّل واقعهم المرير، وزرع بداخلهم بذور الأمل والتحدي، ومن المواقف المؤثرة التي كان لها دور بطولي فيها، هو إنقاذها طفلاً من الانتحار المتكرّر لخمس مرات. وتطمح الخليل أن تتسع الأكاديميَّة ويكون لها أفرع أخرى، لتشمل الدول العربيَّة كافة، لا سيما تلك التي تُعاني فيها شريحة الأطفال من المرض والبؤس والفقر المدقع كدول أفريقيا، ومن الدوافع الأخرى التي جعلتها توجه كل طاقتها لهذا العمل الإنساني والتطوعي، هو فقدانها فرداً من أسرتها بمرض السرطان، ولم تستسلم للحزن واليأس، بل قررت إنقاذ حياة كل طفل مصاب بهذا المرض، وترى أن سعادتها تكتمل حين تعيد الأمل للآخرين.
نالت الخليل لقب «صانعة الأمل»، في دولة الامارات، ضمن الدورة الرابعة من تلك المبادرة، وكُرّمت من قبل حاكم دبي بالجائزة الأولى من مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم»، العالميَّة بعد حصولها على أعلى نسبة تصويت في الحفل الخيري، وحصدت بذلك على مكافأة ماليَّة مقدارها مليون درهم اماراتي، سيذهب ريعها للأكاديميَّة التي قامت بافتتاحها، لإجراء تطوير وتأهيل في أقسامها وملاكاتها، ولمنح الأطفال كل ما هم بحاجة له من أدوية ورعاية، والقيام بالفعاليات التي من شأنها استعادة البهجة والفرح لهم.
وتعد «صنّاع الأمل»، من أكبر المبادرات العربيَّة المخصصة، لتتويج أصحاب العطاء والهمم في العالم العربي، من خلال تكريم مشاريعهم الإنسانيَّة، والإشادة بدورهم، وبما يقدمونه من خدمات وحملات تطوعية، في سبيل إسعاد الآخرين، وإحداث تغيير إيجابي في حياتهم، والارتقاء بواقع المجتمع نحو الأفضل، ورفع المعاناة عن شرائح مجتمعيَّة معينة تُعاني من التضرر، والعمل بجهود ذاتيَّة ومجانيَّة، ومن دون طلب الربح أو المنفعة الماديَّة.
والخليل أنموذج آخر يضاف إلى سلسلة النساء المكافحات والملهمات في المجتمع العراقي، اللواتي برغم من الحروب والتحديات وفقدان الدعم، والظروف التي تواجههن، والعوائق المتعلقة بالعادات والتقاليد، إلّا أنّهن أصبحن رمزاً يحتذى به في العطاء المتواصل، وخدمة المجتمع، وحصولهن على براءات الاختراع لمرات متعددة وبمختلف المجالات، ورفع اسم العراق في المحافل الدوليَّة، فضلا عن قيامهن برعاية أسرهن وأبنائهن، والعمل على رعايتهم وجعلهم يحققون التفوق والتميز في تعليمهم، وتولي المناصب المرموقة.