ستار كاووش: الهويَّة هي الوجه الآخر للأسلوب
حاوره: خضير الزيدي
في هذا الحوار الذي يتسم بالصراحة والموضوعية، نتحدث مع الفنان المغترب ستار كاووش عن اهمية الرسم، وكيفية أن يكون للفنان اسلوب وهوية معروفة وسط الكثير من أساليب وتقنيات يتعامل معها الفنانون، عرف عن هذا الفنان اهتمامه بالتشخيصية وقدم في هذه السياق العديد من المعارض منذ منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، حتى هذه اللحظة التي يعيشها في هولندا، واستطاع أن يتميز بطريقته التي تنتمي لأكثر من مدرسة، سواء تلك المتعلقة بالانطباعية أو التعبيرية أو التجريدية، كل ما يهمنا أن لوحاته تعكس شعورا إنسانيا وانتماء
للفن.
ولد ستار كاووش في بغداد 1963، حصل على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، ويعيش متفرغاً للرسم والمشاريع الفنية في هولندا منذ أكثر من عشرين عاما. أقام الكثير من المعارض الفردية والمشتركة في العراق، الأردن، إيطاليا، الولايات المتحدة، أوكرانيا، السويد، الإمارات، ألمانيا، فرنسا، الكويت، هولندا. صدرت عن تجربته التشكيلية وحياته خمسة كتب ملونة: "غواية الحركة في تجربة ستار كاووش الفنية"، و"أصابع كاووش"، "كاووش، غموض الرسام"، "مدينة كاووش"، "نساء التركواز".
* كيف تفسر لي محبتك للفن التشكيلي وتمسكك بالرسم؟
-العملية الآن ربما تشبه أية ممارسة حياتية أو عمل يومي، حيث أجد نفسي كل صباح أتجه نحو المرسم، وبانتظاري مجموعة من اللوحات غير المكتملة أو التي يجب أن تحصل فيها بعض من التغييرات. وفي الأيام الاعتيادية غالباً ما أقضي كل يومي في المرسم، تتخلل تلك ساعتين للكتابة والقراءة ومتابعة بعض الأخبار. محبتي للفن التشكيلي بشكل عام تتجذر كل يوم، وتتشعب أيضاً، فأنا أكتب عن الفن التشكيلي كما تعرف، لكني لم أكتفِ بذلك، بل أترجم، وقد ترجمت رسائل الرسام فان خوخ من الهولندية الى العربية، كذلك أكتب الآن عموداً باللغة الهولندية في مجلة أتيليه التي تعتبر واحدة من المجلات المرموقة في هولندا، هذه التفاصيل تجعلك ترتبط بالفن أكثر وأكثر. مع ذلك، فكل ما يشغلني كل صباح هو التوجه نحو المرسم الذي يقع خلف البيت، هناك أجد ضالتي وما أريد تحقيقه، هناك الهواء الذي أريد أن أتنفسه. إضافة الى الرسم والكتابة فأنا أحاول أن أزور متحفاً كل أسبوع تقريباً. وسط جدران المتاحف أعثر على الطاقة التي تساعدني للمضي الى الأمام. وإضافة الى كل ذلك، هناك متعة العمل الدؤوب والمحاولات التي لا تتوقف في صنع الأشكال واللعب بالألوان وتحويلها الى كائنات حية.
* كان لك اتجاه اسلوبي ميزك عن اقرانك من الجيل الثمانيني. بتصورك كيف للفنان أن يجد الطريقة، التي تكوّن هويته في ظل متغيرات اسلوبية في طرائق الرسم الحديث؟
-الهوية هي الوجه الآخر للأسلوب. وتتحكم بذلك عوامل عديدة، مثل التقنية والمهارة كذلك الروح المتوهجة ومعرفة كيفية معالجة السطوح المختلفة بطريقة شخصية. الهوية يمكن أن تكون عودة الى الجذور أو انعكاسا للحلول التي تنبثق في ذهن الرسام أولاً، وهي أيضاً معرفة كيفية وضع قدمك في الطريق الشخصي الذي يمثلك. ان تمزج الكثير من العناصر للوصول الى خلطتك الفردية، تجمع حروفا بهيئات مختلفة لتصنع منها توقيعك الشخصي. وإذا تحدثنا عن الأسلوب، فأنا أراه ليس مهماً بحد ذاته، بل يجب أن يمثلك ويمثل رؤيتك وملامح شخصيتك الفنية،
أن يكون مؤثراً ويسحب المشاهد من يده ويمضي معه بعيداً في عمق الرسم. يمكن للفنان أن يصنع أسلوباً خلال يوم واحد، لكن هذا في الغالب يكون سطحياً وعابراً وغير محصن بالقوة والتأثير. أسلوب الفنان تجتمع فيه الكثير من صفات الفنان ذاته، ألم يقولوا إن الأسلوب هو
الرجل؟
* نعم قالوا ذلك، وأنا أشهد أنك لم تزل وفيا للتعبيرية الفنية، فما السر وراء ذلك؟
الأمر يتعلق بالمزاج أكثر من الوفاء، والتعبيرية -إذا صحت التسمية- تمتد من الواقعية وحتى التجريد، مروراً بتفاصيل وتقنيات وأساليب لا حصر لها. فأنت ترى في أعمالي مثلاً تأثيرات الانطباعية والتنقيطية والتعبيرية والوحشية والتكعيبية وحتى تأثيرات الأيقونات الكاثوليكية والرسم على الزجاج المعشق بالرصاص، وهناك أجزاء من لوحاتي إذا اقتطعتها ستبدو لوحات تجريدية. بالنسبة لي الفن بشكل عام هو تعبيري، لكن كل فنان حقيقي يفكر بالفن بطريقته الفردية، وكل مبدع ينظر الى الرسم من الزاوية الشخصية المناسبة له.
* شاهدنا لك عشرات الأعمال، تهتم برسم البورتريه وفق طريقتك الفنية واسلوبك، ما الغاية يا ترى من رسم البورتريه؟
إن كانت هناك غاية ما للرسم، فهي ذات الغاية في رسم البورتريه، وفي الحالتين يبحث الرسام عن حجة كي يلون قماشته بطريقة مناسبة. وفي حالة البورتريه، فعلى الرسام المبدع أن يرسمه بطريقته الخاصة ولا يحاكي الواقع الموجود، أن يمزج اسلوبه في الرسم مع شخصية الموديل. ربما هناك رسامون يقولون بأن لا جدوى من رسم البورتريه، وذلك ببساطة لأنهم لا يجيدون ذلك، أو في أحسن الأحوال لا يحبذون هذا النوع من الرسم. وفي الحالتين لا يعني الأمر أن رسم البورتريه غير موجود ولا مؤثر. كل الفنانين الكبار في العالم رسموا بورتريهات بطرقهم الخاصة والفريدة، وهناك إتنان من أعظم فناني العصر الحديث وهما فرانسيس بيكون ولويسيان فرويد، تكاد تكون كل أعمالهما عبارة عن بورتريهات، وإذا أضفنا لهما دافيد هوكني الذي مازال حياً، فهنا يتضح الأمر أكثر. أن ترسم بورتريه لشخص ما بطريقتك واسلوبك ومعالجاتك الشخصية فأنت هنا أضفتَ لتجربتك شيئاً جديداً ولم تنقصها بكل الأحوال. وبما إني رسام تشخيصي لذلك فالبورتريت هو جزء مهم من عملي. وفي النهاية هناك شخصيات تلائم طريقة رسمي أكثر من غيرها لأنها تحمل تعبيرات معينة وتعكس شيئاً من الفرادة والحضور
الشخصي.
* على ذكر الأسماء الفنية الغربية، هل تعزز خطاب الفن لديك وانت تعيش في
الغربة ؟
منذ معرضي الشخصي "سيقان وأرصفه" في بغداد عام 1987 وحتى آخر معرض أقمته في هولندا، يتعزز الفن كل يوم ولحظة، ويتزايد هذا الشعور مع كل لوحة جديدة. وفي كل الأحوال، لا أشعر الآن بغربة كما كان ذلك في الأيام الأولى لرحلتي. خارج العراق ازدادت خبرتي أكثر كفنان وتعددت الفرص التي مُنحت لي وفُتحت لي منافذ كثيرة. هنا يمكنني التجول في المتاحف ثم أعود الى المرسم لأمضي مع عالمي وأنا مُحمل بطاقة رائعة. هنا عرفتُ المعنى الحقيقي للطبيعة التي تحيطني من كل جانب، واستطعت الانغمار باللون الأخضر للطبيعة والحقول والغابات، واللون الأزرق للماء الذي يغطي مساحات واسعة، وأتأمل الضوء الباهر للفضاء المفتوح. جمعتُ كل ذلك وعكسته بطريقة خاصة على قماشات الرسم. هنا عرفتُ أهمية أن أتفرغ كفنان وأمنح كل وقتي لصناعة الأشكال وإنتاج
اللوحات.
* لكن ألا تجد عالم الرسم اليوم لا يمكن أن يكون فاعلا قياساً بالفنون المفاهيمية التي قدمت تصوراً اتجاه افكار تلامس الواقع؟
-حسب خبرتي ووجودي في أوروبا منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، يمكنني القول بكل وضوح بأني لا أتفق مع هذا الرأي، رغم احترامي له. من قال إن الرسم اليوم لم يعد فاعلاً؟! وماذا تفعل المتاحف الآن؟ سأعطيك مثالاً واضحاً، ففي هولندا التي أعيش فيها وأرسم، هناك أكثر من ثمانمائة متحف، منها بضعة متاحف تُعَد على الأصابع تعرض فن تركيبي ومفاهيمي أو فنون الفيديو، وعروضها تشمل غالباً الفنانين الشباب في العشرينيات من أعمارهم، ويقابل ذلك مئات المتاحف المتبقية تعرض لوحات بشكل عام. يضاف الى ذلك فالفن التشخيصي "ليس بالضرورة واقعياً" هو الغالب في كل هذه المتاحف تقريباً، وإن آخر متحف مهم أُنشئ في هولندا اسمه متحف مور، وهو مختص بالفن الواقعي والتشخيصي فقط، واسم المتحف مختصر من كلِمَتَي مودرن ريالزم "الواقعية الجديدة". في بلداننا العربية هناك هوس عند الكثيرين حول الفن التركيبي والمفاهيمي وغيره، ولا أقصد أن هذا الأمر سيئ أو جيد، لكنه غير مفهوم، لأن اللوحة المرسومة بطريقة جميلة وتتفاعل معها روح المشاهد، ما زالت هي الحاضرة والمؤثرة في متاحف وغاليرهات العالم وهذا ينطبق بالتأكيد على مقتني الأعمال الفنية وأصحاب المجموعات الخاصة. برأيي الشخصي، هناك أنشطة فنية معينة، وجودها مؤقت وستزول ويتلاشـي
وجودها.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة