مواصفة السيارات

اقتصادية 2024/05/23
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي

على مدى سنوات متراكمات، كانت الحدود العراقيَّة مفتوحة على مصاريعها أمام دخول مختلف أنواع السلع والبضائع المستوردة من مناشئ شتّى، ومن بينها السيارات، من دون حسيب أو رقيب، وبالتالي امتلأت أسواقنا بالسلع الرديئة، والسيارات غير المطابقة للمواصفات، الأمر الذي أدّى إلى حدوث الكثير من المشكلات، في ظل غياب تطبيق قانون حماية المستهلك، رافق ذلك تصاعد الأصوات المطالبة بوجوب اتخاذ المزيد من الإجراءات من أجل حماية الناس والاقتصاد على حد سواء، ولكن الإشكالية الماثلة أبداً، أنه وعندما تشرع الجهات المعنية باتخاذ مثل تلك الإجراءات، تعود نفس الأصوات تتعالى معترضة على أي إجراء من هذا القبيل، بدعوى أنَّ ذلك سيضر بالمصلحة العليا للبلاد!، وحدث مثل ذلك عندما تم التعاقد مع عدد من الشركات العالمية لتتولى عملية التفتيش (الفحص) قبل التوريد، بمعنى فحص السلع والبضائع والمنتجات المستوردة في بلد المنشأ، وإصدار شهادة المطابقة لشحنات تلك البضائع، وقد مضت على تلك الحال عدة سنوات، شهدت خلالها الأسواق العراقية تحسناً إلى حد ما في نوعية المنتجات المتداولة، وإن كان ذلك بنسبة معينة، على اعتبار أنَّ جهاز التقييس والسيطرة النوعية ومن خلال تعاقده مع الشركات العالمية الفاحصة، يتولى فحص ما نسبته 40 ٪ من حجم المستورد، وثمة بضائع تدخل إلى البلاد من دون مرورها بآليات الفحص، مثل السكائر، التي تغص بها أسواقنا!!
وإذا ما انتقلت عملية الفحص إلى السيارات، والشروع بتطبيق المواصفة العراقية المتخصصة في هذا الجانب، المستندة في الأساس إلى المواصفة الخليجية الإقليمية المعروفة بـ(GSO)، القائمة على الممارسات الدولية المعتمدة في إقرار واعتماد المواصفات الوطنية، والمواصفة هنا بمثابة القانون، وتحمل قوة القانون الواجب التنفيذ، وفي الوقت الذي التزمت كبريات الشركات العالمية المصنعة والمصدرة للسيارات، بل ورحبت بهذه المواصفة، لأنها تحمي حقوقها، كما تحمي حقوق المستهلك، ولكن في المقابل ثمة أصوات ما زالت تسعى لإفشال تطبيق هذه المواصفات، تحت ذرائع شتى، فمرة يقولون إنها مواصفة سعودية، وأخرى يشيرون إلى أنَّ مواصفات السيارات التي يقومون باستيرادها، أعلى من متطلبات المواصفة العراقية نفسها، يجري ذلك في وقت يصدر جهاز التقييس والسيطرة النوعية، سنوياً عشرات الآلاف من شهادات المطابقة لسيارات كانت حائزة على متطلبات المواصفة العراقية.
وبالتأكيد أنَّ العراق ليس البلد الوحيد الذي يعتمد مواصفة وطنية لفحص المركبات، بل كان متأخراً جداً في الشروع بتطبيق تلك المواصفة، وكان ذلك عام 2021، كما لا توجد أي دولة من دول المنطقة في الأقل يمكن أن تسمح بدخول سيارات غير مطابقة لمواصفاتها الوطنية، لذلك ومن باب أولى فإنَّ حالنا بعد الذي تعرضنا له خلال السنوات السابقة، من غزو بضائعي، وانكشاف اقتصادي خطير، ادعى إلى تطبيق المواصفات العراقية، على جميع السلع والبضائع، سواء المستوردة منها أو المحلية، وفي مقدمتها السيارات، لما لها من آثار خطيرة وكبيرة في حياتنا، بلحاظ الأعداد الهائلة من الحوادث المرورية التي تحدث سنوياً يذهب نتيجتها آلاف الضحايا والمصابين، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية.
لذلك أقول، ألم يكن بإمكان الرافضين لتطبيق مواصفة السيارات، لأي سبب كان، أن يتقدموا بمقترحاتهم من أجل تعديل المواصفة؟، لاسيما بعد مرور ثلاث سنوات على تطبيقها، فهي في نهاية المطاف تمثل ركناً من أركان السيادة الاقتصادية للدولة، ومساراً مهماً باتجاه ضبط إيقاع سوق السيارات التي ما زالت هلامية الأبعاد.