من بين أهم وظائف الدراما محاولة تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية والتاريخية والطبيعية التي يعجز الإنسان عن إيجاد تفسير لهاوفهمها فتأتي الدراما وتبحث في تلك الظواهر وتفككها بشكل كاشف لما خلف تلك الظواهر ومسبباتها الاجتماعية والسياسية والدينية إن وجدت في بعض الاعمال والتي يفترض انها تناقش ظواهر حية وآنية يعيشها المجتمع في وقته الحاضر،وفق هذا وغيره من امور اخرى لا تقل الدراما أهمية عن باقي صنوف الكتابة والفنون بل انها لاتقل اهمية عن جملة ابتكارات دخلت في صلب حياتنا اليومية، وهنا حسب الحاجة لها فثمة حاجة فكرية وعقلية وخدمية وترفيهية وتوعوية لكل اختراع او ابتكار.
لكن ما يؤسف له إن الكثير لم يفهم الحاجة للدراما وتطورها الزمني ومحاكاتها لبقية مجالات وقطاعات الحياة، فتجد من يبحث في التاريخ ويستخرج حكاية بالية ويبني عليها عملا دراميا يأتي سطحيا، وهناك من يأخذ من الموروث القريب او حقبة زمنية معينة او مرحلة اجتماعية يتناول بعضها ويترك مهملا بالتالي يخرج العمل الدرامي فضاضا.
بقي العمل في فلك الدراما الكلاسيكية دون الاخذ بنظر الاعتبار تطورات الدراما والاستفادة من نظريات علم الاجتماع في تناول احداث العمل الدرامي، بل حتى الاستفادة من علم النفس بهذا الشأن وهكذا بقية العلوم الانسانية الاخرى التي يمكن إن توظف بشكل جيد في صيرورة العمل الدرامي.
هذا الفهم والقصور ولد دراما عراقية تتأرجح في مكانها المحلي لايمكنها منافسة أي اعمال عربية اخرى، فثمة منتج يبحث عن الكلفة المالية الاقل، وثمة مخرج يدور في محيطه وفق امكانيات محدودة، وثمة ممثلين يلجؤون إلى المشاركة في أي عمل نتيجة حاجتهم لموارد مالية كي يؤمنون معيشتهم. هذا نتيجة تحول الفن إلى تجارة ربحية وفق منظور عدد من المنتجين اشخاصا كانوا ام شركات او قنوات فضائية منتجة تستغل العمل الدرامي لتمرير خطابها الاعلامي المعتاد، والمرتبط بسياستها وتمويلها.
في السنوات الماضية كانت هناك شكاوى من البيئة التي يتم فيها تصوير تلك المسلسلات الدرامية وانعكاساتها السلبية على العمل الدرامي بشكل عام. لكن الآن تغير الحال، وكل الأعمال صورت وأنتجت داخل العراق، لكن المستوى ذاته. والممثل هو ذات الممثل، الذي لايجيد التعامل أو التمثيل بتلقائية. اشياء كثيرة مفتعلة ومفككة ومرتبكة. وحتى لو كان هناك بعض من الممثلين الجيدين فقد ضاعوا وسط الكم السيئ من الدخلاء على الفن.
أغلب الأعمال الدرامية مكتوبة بصورة مفككة لايوجد ربط صحيح بين بعض أحداثها وخاصة الرئيسية منها، إضافة إلى ابتعادها عن مشاكل المجمتع العراقي الحقيقية والرئيسية، التي إن تم تناولها فسيكون بشكل خاطف ومسفه.وهناك من تناوله لكن ليس بشكل جذري بل اخذ الجزء المثير منه حسب وجهة نظره التي تماهي وجهة نظر الجهة المنتجة والممولة وترك اسباب هذه الظواهر وكيفية انتشارها دون الخوض بها ومحاولة ايجاد معالجات ضمن الدراما ذاتها، وان جرى ذلك فيتم بمشهد يتيم، وهذا ما يؤشر لخلل اخر في الدراما والتأليف الذي يفترض به ان يكون ملما بكل التفاصيل المحيطة بتلك الظواهر المراد تناولها بالعمل الدرامي فالجرأة في الطرح ليست معيار النجاح الوحيد.