سعاد البياتي
لطالما دمر الشك أغلب الأسر، التي كانت ذات يوم تحيا بسعادة وهناء، حينما حلت الوساوس والظنون أطراف البيت وصارت تتغلب على الحقيقة بشكل لن يهدأ له حال أبدا، وتكون بعض التداعيات كارثية وغير مستقرة اسرياً، وهذا الحال وجدناه في أروقة المحاكم الشخصية، حينما يتواجد الزوج أو الزوجة هناك وهم في دوامة التداعيات التي تسير احياناً كثيرة في طريق مسدود وغير مجد!
قصص كثيرة ومحزنة سمعناها من لسان المتواجدين هناك، رغم سريتها إلا أننا تمكنا من أخذ بعض من فصولها، لتكون مادة صريحة حول ما تعيشه الأسر وتعطل دورها الرئيس في الحياة المستقرة والهادئة.
تقول إحداهن وهي في الثلاثين من العمر « زوجي يراقبني في كل تصرف أو سلوك اقوم به، ولم اتمكن من تخليصه من وساوسه وشكوكه، ونادرا مايكون صريحا، وكل افعاله غامضة، وكلما اطلب منه ان اذهب إلى مكان ما حتى وان كان اهلي يرفض ويصرخ بي على اساس انني اكذب! وهذا التصرف يؤلمني ويجعلني ارفضه، لانعدام الثقة واستحالة العيش معه.
شك مدمر
وتحكي سارة 35 عاماً ان زوجها و كل السنوات السبع من عمر الارتباط كان يمتلك صفة غير محببة وهي الشك في كل شيء، فهو يفتش دائما في دولاب ملابسي وفي حقيبتي ويستمع إلى كل اتصال هاتفي ويسألني عن المتصل وهم أهلي أغلب الأحيان، فصرت أتذمر من سلوكه الغريب وأرفضه، في البدء اعتبرت ذلك غيرة إلا أنها زادت عن حدها، وانقلبت إلى شك مدمر للعلاقة الحميمية، وغيرها من الامور التي لا يمكن البوح بها، لذا والى الآن لم أجد الحل الشافي للقضاء على ذلك، رغم محاولاتي معه لأنني احترمه وأحب أسرتي وأولادي.
سلوكٌ غير طبيعي
بينما يبين هادي محمد وهو موظف في احدى المؤسسات أنه يحترق بنار الشك، وقد حاول العلاج من هذا المرض اللعين عند بعض الأطباء النفسيين، لكن دون جدوى، يقول بالرغم من أنني أثق في زوجتي ثقة عمياء، وأمنحها الحرية الكاملة للتعبير عن وجهة نظرها بشدة، فإنني أعتقد في بعض الأحيان ان تصرفاتها غير طبيعية، وتتحدث بالهاتف كثيرا، وتطالبني بالمال الذي لا أعرف كيف تنفقه، ولأنني لا أرغب في طلاقها، ما زلت أحاول معرفة أسباب ذلك، وأحافظ عليها بشتى الطرق، حتى أوشكت حياتنا على الانهيار، فالتداعيات الأسرية يصيبها أحيانا بعض التصدع، إلا أنني أصارع من اجل بقائها، فالشك اعرف جيدا نتائجه الوخيمة، الا أنني لا أبالغ إن قلت المراقبة ضرورية مع الأسرة.
حبٌ وحرص
وهناك قصص وحكايات اخرى بعضها يتسم بالغرابة والبعض الآخر نعده طبيعيا لمستواه الضئيل في الحياة، ومن دون ان نجعله يكبر ويستفحل على المدى الطويل، والعديد من الازواج تصيبهم بعض الانتكاسات والمشكلات في الحياة الأسرية، إلا أنها لا تصل إلى درجة الشك الشديد والعنيد، فإن بعض الشك إثم وغير صحيح ومعقول.
ومن هذا الباب قالت الباحثة الاجتماعية سجى عدنان، تشكل تصرفات الزوجة وسلوكها العام في البيت وفي الحياة، اهمية في الحفاظ على اسرتها ونظرة الزوج لها، فهي التي تدفع الزوج إلى الشك، بالرغم من الفرق الكبير بين الشك والغيرة، لكن البعض يعد الغيرة هي إحدى وسائل الشك، وكلاهما مختلفان عن الآخر في المعنى والتصرف، فالغيرة حسب عدنان وجه من وجوه الحب والحرص، وأحيانا تضفي طابعا من المحبة إن كانت غير مغالية فيها!
كما أن الاهتمام بالزوج والاسرة كاملة يعد أحد أهم أسباب نجاح العلاقات الزوجية ودوامها، وان سلوكيات الزوج أو الزوجة دعامة مهمة لاستمرارها، وان يبتعد كل منهما عن الكذب والغيرة المفرطة وكل ما يتسبب من اختلال العلاقة.
وتروي سجى عدنان أن العديد من طلبات التفريق التي تردنا هي واضحة الاسباب اذ يتدخل الشك فيها، ولا يمنح أحدهما الفرصة للآخر، أو يكون متفهما للسلوكيات التي تحل بطريق التفاهم، فالثقة المتبادلة اساس نجاح الزواج، والمناقشة وخلق اجواء هادئة ومثالية والسلوك المعتدل تبعد الشك والغيرة عنهما، فالثقة بين الزوجين ليست قرارا وحسب، بيد أنه طريق يبني فترة الزواج، كي لا تتحول إلى مساحة صراعات وأفكار تتلاشى فيها الرحمة والمودة، كما لاتوجد نقاط وسلوكيات سحرية للعيش بهدوء، فالحياة متعرضة للهفوات والمشاكل كل على درجته
نضج عاطفي
وتنصح عدنان بضرورة الاهتمام بالحالة النفسية لما لها من دور مهم في المصارحة بين الأزواج فكلما استقرت نفسية الزوج، أو الزوجة، كلما كان أكثر ثقة في نفسه وسلوكياته، وتدعيم الثقة هو عماد العلاقة الزوجية، بالصراحة والوضوح والابتعاد عن الخداع والغموض يؤسس لبناء علاقة مستقرة بين الطرفين، ولن يصبح هناك متسع للغيرة، لأنك قد تصالحت مع ذاتك ومع عيوبك، لا شك في أن الأمر يتطلب مستوى من النضج العاطفي للتعامل مع ذلك.