سؤال التعدديَّة السياسيَّة والعطل الرسميَّة

آراء 2024/05/29
...

 أ.د عامر حسن فياض


إن مفهومي التنوع والاختلاف هي مرادفات للتعدد، لذلك فإن الحديث عن التنوع والاختلاف يقتربان من التعددية، إن لم يكونا مفردتين هما بعينهما من مرادفات التعددية، لذا يصح القول لمجموعة معينة أنها متعددة، فالتنوع يرادف التعدد وكلاهما يرادف الاختلاف، فالتعددية كما جاء في معجم المعاني الجامع هي اسم منسوب إلى تعدد، وإن عدَّ اصطلاحاً عرفت من الناحية السياسية نظام سياسي قائم على تعايش الجماعات المختلفة والمستقلة في الارادة مع تمثيلها في الحكم، بمعنى آخر أن التعددية توزيع السلطة السياسية عن طريق اشكال مؤسساتية، أي أن السلطة لاتكون حكراً على فئة معينة، سواء كانت سياسية أو اثنية أو دينية أو فكرية، وبعبارة أخرى المقصود بالتعددية السياسية هي نوع من التنظيم الاجتماعي الذي يتعلق ببيئة النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة والتسليم بضرورة وجود افكار وقيم ومؤسسات متعددة في النظام السياسي، اذ تقوم التعددية على ثلاث مرتكزات اساسية وهي الايمان بالاختلاف والتنوع بين الافراد والجماعات، والاقرار بالتبادل الطبيعي للمواقع والتاكيد على فكرة المؤسسة. 

وقد تشير التعددية السياسية كذلك إلى المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية التي يمكنها أن تشارك في مزاولة الحكم.

أما من الناحية الاجتماعية فقد عرفت التعددية بانها وجود مؤسسات وجماعات غير متجانسه في المجتمع المعاصر ويكون لها اهتمامات دينية واقتصادية واثنية وثقافية متنوعة.

والتعريف الاجرائي للتنوع يتمثل بالتنوع الذي يشمل التشابه والاختلاف، الذي يتصل بالفرد والجماعات والمجتمع والسلطة والذي يتسع ليصبح اعم واشمل ليضم التعددية القومية والدينية والاثنية والحزبية والسياسية والتي تقوم على اساس توزيع السلطة التي تشمل جميع افراد المجتمع 

وتنوعاته.

والتعددية ستكون تكاملية وليست تقطيعية في النظم التي تحسن ادارة التنوع لان التعددية والتنوع في ظل هذه الادارة يكونان في اطار الوحدة. 

فالتعددية هي تنوع قائم على تميز وخصوصية وهي لايمكن أن توجد إلا ضمن الوحدة وفي اطارها، فلا يمكن تلمس التعددية في التشرذم والقطيعة التي لاجامع لها ولا على الاحادية التي لا اجزاء لها، فمن النادر ان نجد مجتمعا لايضم تعددا قوميا أو اثنيا أو دينيا أو قبليا أو سياسيا، وان محاولة اقصاء أو عزل أو الغاء أو تجاهل هذا التنوع غالباً مايؤدي إلى الانقسام والتجزئة، لاسيما ان الفشل في ادارة هذا التنوع وعدم الوعي بالاختلاف والتعدد وعدم اعطاءه استحقاقه في ظل عدم العمل بالحلول الناجحة يجعل منه ازمة تشل الحياة السياسية. 

ويؤسس التنوع والاختلاف كظاهرة انسانية على ثلاث ركائز كبرى تقوم عليها الحياة السياسية السليمة وهي الجمالية والتكامل والابداع. 

فالجمال رهن التنوع ولو ساد التماثل لقضي على الجمال بكل انواعه.

واما التكامل فناتج عن التنوع ايضا وذلك لعجز اي مفردة في الخلق عن الانفراد بذاتها فلابد من تكاملها مع الآخر المختلف والمكمل. 

وكذلك الابداع فهو حاصل يقوم على ارضية التنوع كون التماثل ينفي الابداع، وهكذا فان الاقرار بالتنوع وقبوله ومراعاته يعني الاقرار والقبول بالجمال والتكامل والابداع.

وما على العقلاء إلا التدبير وحسن ادارة التنوع بعد الاقرار به ومراعاته كحقيقة جمالية تكاملية ابداعية.

فماذا عن العلاقة ما بين التعددية والاختلاف وادارة التنوع بقانون العطل الرسمية؟. 

يعد العراق تاريخياً من المجتمعات المتنافرة وليس من المجتمعات المتجانسة الامر، الذي يحتاج الانتقال به من مجتمع متنوع غير متجانس إلى مجتمع متنوع متجانس، وهذا لا يحصل دون حكم يحسن مراعاة وادارة التنوع بكل جوانبه بما في ذلك التنوع المجتمعي غير السياسي (الديني والمذهبي والحضاري القومي) والتنوع السياسي.

لان الادارة غير الصحيحة للتنوع تجعل منه نقمة بينما الادارة الصحيحة للتنوع تجعل منه نعمة.

إن كل شعوب العالم تنتظر أياما لمناسبات سياسية تعبر عن اندماجها وتكاملها وتلاحم مكوناتها المتنوعة، وتعزز وحدتها الوطنية وقد تم تمرير مشروع قانون العطل الرسمية للمناسبات غير السياسية، فهل العراق دون كل دول العالم ليست لديه مناسبات رسمية سياسية تستحق عطلة؟!. 

ان هذا القانون اهتم بالايام الجهوية وما فوق الوطنية سواء كانت دينية أو مذهبية أو حضارية قومية، وهذا اهتمام لا ضير فيه ولا ضرر منه بيد أن اغفال الايام السياسية الوطنية الخاصة بالعراق كدولة امر لايحترم بناء الوطنية ولا يعزز التلاحم والاندماج الوطني.

نعم لدولة العراق يوما وطنيا للولادة والتاسيس بعد ثورة العشرين يستحق الاحتفاء به واحياء ذكراه كما ان للعراق يوميا وطنيا للاستقلال السياسي ودخوله عصبة الامم عام 1932 يستحق الاحتفاء به واحياء ذكراه كما أن للعراق يوما وطنياً لاعلان الجمهورية في 14 تموز 1958 يستحق الاحتفاء به واحياء ذكراه، كما أن للعراق يوما وطنيا سياسيا للتخلص من الدكتاتورية في 9/4/2003 يستحق الاحتفاء به واحياء ذكراه.

ان عدم شمول قانون العطل الرسمية بهذه الايام السياسية الوطنية الاربعة يؤشر خللا في مراعاة وادراة التنوع السياسي، وان سياسة الابتعاد عن هذه الايام وتجاهلها هي سياسة تعبر عن النأي بالنفس السلبي عن الاختلاف دون حسن ادارته وهي سياسة غير صحيحة متجاهلة التنوع السياسي والحق بالاختلاف سياسياً بين الاوساط العراقية المتنوعة والمختلفة في ما بينها بصدد تفضيل يوم على آخر وما على سلطة الحكم ورجالات الدولة، إلا التعامل بحكمة لمراعاة هذا الاختلاف وادارة هذا التنوع بالشكل السليم.