تنامي المحميَّات الطبيعيَّة لتربية غزال الريم في العراق

ريبورتاج 2024/06/04
...

 نافع الناجي

منذ سنوات ليست بعيدة، بدأ الاهتمام بتربية وإكثار غزال الريم العربي في بعض المناطق والمحميات الخاصة، التي تشرف عليها وزارة الزراعة في العراق، حيث يعد غزال (الريم) من الحيوانات المهددة بالانقراض، ويخشى من تناقص أعدادها لأسباب عديدة، منها أعمال الصيد الجائر وفقدانها لمواطنها الأصلية، وندرة عشب (الثمام) أو ما يعرف بالأعشاب النجيلية، الذي يعد من أفضل أنواع الأغذية للغزلان، فضلا عن تراجع العناية البيطرية والتغيرات المناخية، التي أسهمت في انحسار الأمطار والمراعي البرّية في العراق بشكل عام.
غزال الريم
ينتمي غزال الريم لفصيلة الثدييات والتي تعيش في الجبال، ويبلغ طوله ما بين تسعين سنتيمترا الى 115 سنتيمترا، ويتراوح وزنه ما بين 18 الى 33 كيلوغراما، ويتواجد في الجنوب الشرقي من تركيا وعلى امتداد البلدان العربية في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، مثل السعودية والإمارات المتحدة وسلطنة عمان واليمن والعراق.
ويعتبر الريم من الحيوانات الرعوية التي تتغذى على النباتات ذات دورة الحياة القصيرة بعد هطول الأمطار، ولكن بشكلٍ عام تعتمد على الأعشاب الجافة والأعلاف.

محميَّة ميسان
خمسة وعشرون غزالاً كانت هي البذرة الأولى التي وضعت هنا في محمية غزال الريم في صحراء جرداء تقع شمال شرقي محافظة ميسان.
المهندس الزراعي ستار جبار مسؤول المحمية في محافظة ميسان، قال "المحمية أقيمت على مساحة إجمالية تبلغ حوالي ألفي دونم، شغلت منها خمسمئة دونم وقسمت لمقطعين"، وأضاف "تهدف مديرية الزراعة من خلال إنشاء هذه المحمية لتحقيق هدفين، يتمثلان بمكافحة التصحر، وتوفير غذاء لغزلان الريم المهددة بالانقراض، والمحمية تدار من قبل مهندسين محليين، وتعد من المشاريع الناجحة في
المحافظة".
ويشير جبار الى، أن "بداية التجربة كانت بعددٍ محدود من الغزلان لا يتجاوز 25، ولكن العدد تضاعف ونما حتى وصل لأكثر من (360) غزالاً، ويعد من المشاريع الناجحة في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، حيث أقيم المشروع بدعم من قبل محافظة ميسان، من حيث توفير الأرض والمستلزمات والحماية وجوانب كثيرة أخرى، وهناك مشروع لتعبيد الطريق المار بالمحمية، لكون الطريق حالياً ترابيا غير معبد".
وكانت المنطقة هنا عبارة عن بيئة صحراوية جرداء خالية من الأشجار والأدغال، فيما تحولت الآن الى بقعة خضراء في وسط الصحراء، يمكن تحويلها لمنتجعٍ سياحي جميل.
وزاد جبار "الهدف الثاني يتركز بإعادة توطين غزال الريم في هذه المنطقة، وهي المنشأ الأصلي لهذا الغزال قبل اندلاع حرب الثمانينيات، وأدت عمليات الصيد الجائر الى لجوء الغزلان الى المنطقة المتاخمة لهذه الحدود".
عملٌ فعلي
يذكر أن العمل بمشروع محمية غزال الريم في ميسان، بدأ في العام 2006 بإنشاء البنية التحتية للمشروع، من بناء سياج BRC على محيط مساحة المحمية البالغة (501) دونم، ثم القيام بحفر آبار للمياه بعدد ثمانية داخل المشروع وبئر واحدة خارج المشروع، بمساعدة وزارة الموارد المائية، ثم جرى تقسيم المحمية الى قسمين بمساحة 250 دونماً لكلٍ منهما، وشرع بالعمل الفعلي للمحمية في أيلول من العام 2012.
وجلبت 25 غزالاً من محمية (المساد) في الرطبة، بواقع 20 أنثى وخمسة ذكور.
محميَّة ديالى
تنفرد محافظة ديالى بإنشاء اكبر محمية لتربية الغزلان في مدينة مندلي وبمساحة أكثر من 3 آلاف دونم والتي تخضع لإشراف مديرية زراعة المحافظة، حيث تجتمع الطبيعة بالأهداف الإنسانية لتربية العشرات من غزلان الريم العربي، الذي يتميز بلونه الصحراوي وقرونه القيثارية الشكل، وتقع المحمية الخاضعة لإشراف زراعة ديالى في قرية قرولوس بناحية مندلي، التي تبعد 90 كيلومترا الى الشرق من مدينة بعقوبة.
محمد نجيب مدير زراعة ديالى قال "تقع المحمية في قضاء بلدروز ناحية مندلي في المقاطعة 25 وتأسست المحمية سنة 2000 على مساحة 3194 دونماً، وتبلغ المساحة المسيّجة 400 دونم، وفي العام 2011 تم تأهيل المحمية بجلب 21 غزالة من الريم العربي".
وتعتاش الغزلان في هذا المكان، على النباتات الطبيعية التي تنمو فيها كنبات الموسكات والحمض او (الطرطيع)، وعندما تشّح تلك النباتات يلجأ القائمون على المحمية الى توفير الأعلاف للغزلان كنبات الشعير وغيره.
المراقب الزراعي رافع محمد، يقول "يتغذى هذا الغزال بتناول النباتات الطبيعية الموجودة في المحمية، ولدينا كادر يقوم بعملية تغذية الغزال عن طريق أحواض نسميها بالعامية (جوابي) يضيفون فيها الغذاء، أما طريقة الإرواء فتتم بواسطة الآبار الارتوازية الموجودة في المحمية".
وباتت بيئة المحمية الطبيعية الخلابة بسهولها وتلالها وغطائها الاخضر، معلماً ومنطقة مميزة من معالم السياحة في العراق، فضلاً عن كونها محمية ملهمة لتلك الغزلان بنظراتها البريئة وقفزاتها الرشيقة.

محمية بابل
في شمال بابل شهد إقامة مشروع مميز لتربية الغزلان لأحد المربين، حيث ضم عدداً كبيرا من الغزلان من ثلاث سلالات، هي الريم العراقي والآيل والاكسدير، بعد أن قام المربي بتوفير بيئة ملائمة لعيش هذه الحيوانات من انشاء سقائف وحظائر مفتوحة مشابهة لحظائر الابقار والاغنام.
وقال المربي حسين الشمري "بتقديري فالغزال حيوان مفقود من الطبيعة، لذلك اهتمت به وتمكنت من الحصول على ثلاثة أنواع منه، منها الريم العراقي الذي تكاثر عندنا بصورة طبيعية".
ويعمل الشمري على تكثير الاصناف النادرة، وتهجين البعض منها بحيث تكون الولادة لمرتين في السنة وليست واحدة، كما انه يعمل على ادخال تقنية التلقيح الصناعي للغزلان وتكثير الولادات، عبر اختزال فترة الحمل لخمسة أشهر ولمرتين في السنة.
وتعد الغزلان من الحيوانات النادرة، التي انقرضت تماما من البرية العراقية، بسبب عمليات الصيد الجائر والتقلبات المناخية في مجال الثروة الحيوانية، ولهذا يقول الخبير في الثروة الحيوانية وليد جاسم الزبيدي "ننصح الحكومة وأصحاب رأس المال باستنساخ هذه التجربة من خلال انشاء محميات، تعيد هذه الأصناف من الحيوانية النادرة الى الطبيعة العراقية". مضيفاً "هذه المحمية نموذجية وبالإمكان نقل التجربة وتعميمها لبقية المحافظات، وأخذ نماذج من الغزلان وتعميمها وتكثيرها وفق الظروف المناسبة، لما لها من مردودات اقتصادية".

محميَّة ساوة
من جهته قال رائد رحيم مدير زراعة المثنى بالوكالة، إن هناك تعاونا مشترك ما بين المؤسسات البحثية في جامعة المثنى ومنظمة الاغذية الدولية، حيث قامت مديرية الزراعة بالتنسيق مع هاتين المؤسستين في محاولة توفير بعض النباتات والمحاصيل العلفية الجديدة على البيئة العراقية، بهدف تجربتها في محمية ساوة بغية توفير الاعلاف لغزال الريمي المهدد بالانقراض، فضلاً عن محاولة نشر هذا النوع في بادية السماوة بهدف تطوير واقع الاعلاف في المحافظة.
وأضاف رحيم "نطلب من الجهات الحكومية دعم هذا المشروع بهدف تطويره وزيادة اكثار قطعان الريم العراقي المهدد بالانقراض".
وتمتد محمية (ساوة) الطبيعية في الحافة الشمالية لبادية السماوة، وعلى مساحة 500 دونم، وقد بدأ العمل في انشاء المشروع في العام 2006، واكتمل نهاية العام 2009. وتم إدخال حيوان غزال الريم في نهاية العام 2013، بواقع أربعة ازواج ليصل العدد حاليا الى أكثر من مئة رأس من غزال الريم العراقي.
يقول المهندس الزراعي والخبير علي حسين فرحان، إن "الغاية من إنشاء المشروع هو المحافظة على ذلك النوع من الحيوان من الانقراض، حيث يرتبط هذا الحيوان ارتباطا وثيقا بالتأريخ البيئي والطبيعي للمنطقة".
مضيفاً "تم التعاون مع عدة مؤسسات علمية وبحثية، ككلية الزراعية ومعهد ساوة لدراسات البادية وعلوم الصحراء بجامعة المثنى". ولفت إلى "تشكيل عدة لجان إدارية لمتابعة عمل المحمية ومدهم بالأطباء البيطريين لمراقبة حركة الحيوان من الناحية الصحية، كذلك توفير الأعلاف كمحصول الشعير وزراعة المحصول بنجاح وتوفير مخزون جيد من الأعلاف يكفي لفترة زمنية معقولة".
من جهته قال تركي محل مسؤول محمية ساوة "يجري حالياً الاستعداد لزراعة المحصول الصيفي من مادة الذرة البيضاء، بغية توفير الكميات الكافية من غذاء الغزلان"، وأضاف "من الممكن أن تكون المحمية الطبيعية مستقبلاً، في حال تطويرها كمنتجع سياحي جميل يجذب الأهالي والأسر والشباب في رحاب البادية الطبيعية لمحافظتنا".