المؤسسة الأهمّ في المجتمع

آراء 2024/06/05
...







  سوسن الجزراوي

في ما مضى من الزمان، كان لجداتنا قول تداولته الأجيال سنوات وسنوات: الزواج ((مو زفة وموسيقى وطبل))! هكذا كُنّ يصفن من يلهث وراء الارتباط وتكوين أسرة دون دراية كاملة واستعداد نفسي ومادي، فهذه العلاقة الشرعية، هي مشروع إنساني لمؤسسة غاية في الأهمية، تتشكل منها المجتمعات، وتنبثق عنها نماذج مختلفة للإنسان، فيها الصالح وفيها السيئ.

والحديث عن هذه الصورة المجتمعية يقودنا إلى دهاليز كثيرة في مجالات الحياة المختلفة، فالارتباط بين شخصين هو بداية لتكوين أسرة وبالتالي يولد عن هذا (الارتباط)، أطفال يشكلون نواة المجتمع وأساساته، لأنَّ منهم من سيصبح طبيباً أو محامياً أو إعلامياً أو مهندساً أو مدرساً، ومنهم من سيُخفق بسبب ظروف التنشئة السيئة، فيصبح متسكعاً، فاشلاً، سارقاً، قاتلاً، مدمناً، وبالنتيجة سيتشكل عن هذه النماذج الثانية، خطر كبير على (المجتمع) لا يمكن الاستهانة به إطلاقاً!!

ولتسليط الضوء على إحداثيات هذه المؤسسة المجتمعية الأهم، جرت العادة أن تتمَّ متابعة نسب نجاح وفشل هذا المشروع الإنساني الكبير، وفي أحدث الإحصائيات، تشير الأرقام إلى أنَّ ما يقارب (24088) حالة زواج تمت في شهر آذار من هذا العام، فيما بلغت حالات الطلاق ما يقرب من (6222) حالة، وهو ما يعني تسجيل (207) حالة طلاق يومياً في المحاكم العراقية، وبالتالي أكثر 8 حالات في الساعة الواحدة، وهذه النسب تعد أرقاماً مرعبة إذا ما تم التعامل معها على أساسات علمية بالغة الأهمية.

وهذا بلا شك، أي هذه النسب المحزنة لحالات الانفصال التي تحدث مقارنة بحالات الزواج، إنما نشأت عن الارتباطات غير المدروسة والفاشلة إن صح التعبير والتي خضعت لمنطق الرغبات السطحية والأعراف الاجتماعية والتقليد الأعمى لصديقة متزوجة أو صديق 

متزوج.

من هنا يمكننا أن نصف هذه العلاقة بأنها زواج فاشل قادر على أن يؤثر بشكل كبير وسلبي في المجتمع، حيث يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري بأبشع حالاته، مما تترتب عليه تأثيرات سلبية في الأطفال والشباب والمجتمع بشكل عام، وبلا شك فإنَّ الطلاق يتسبب في تدهور العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ما ينجم عن هذا الكثير من المتاعب الاقتصادية والصحية التي تقود في بعض صورها إلى الإدمان وتعاطي المخدرات وبعض الممنوعات الأخرى، ويؤدي أيضاً إلى زيادة الضغوط النفسية والمادية على الأفراد والأسر.

وتلعب الثقافة العامة سواء في البيت أو المدرسة أو الجامعة بل وحتى في الأماكن العامة كالمقاهي أو الأندية الرياضية والاجتماعية، إضافة إلى التلفزيون والسينما والإذاعة، دوراً كبيراً جداً في التعريف الحقيقي لمفهوم الزواج، فالإقدام على هذه العلاقة النبيلة يحتاج إلى توعية حقيقية وتعريف دقيق للكيان الأسري، والابتعاد عن التشجيع السطحي لفكرة الارتباط وتصوير هذه الخطوة على أنها رحلة إلى السعادة اللامتناهية.

قد يعتقد البعض أنَّ ما أكتبه هنا هو أشبه بتحريض على عدم الارتباط، وهذا مخالف كلياً لما في ضميري، فتكوين أسرة هو مشروع إنساني راقٍ جداً وقد يكون حلم الكثير من الشابات والشباب والأهل، حين يكون أبطاله على قدر كاف من التوافق والتكافؤ حتى وإن كان على مستوى الأفكار والرؤى، لأنه سيكون بيئة والحجر الأساس لتكوين أجيال تلد أخرى وهكذا، لذا كان لابد من التبصر والدراية والاستعداد الكامل لهذه الخطوة، كي نتجنب لاحقاً الوصول إلى نقطة الانفصال (الطلاق) لا سمح الله، فالأخيرة كما أسلفت سينتج عنها مشكلات تبدأ ولا تنتهي، بدءاً من المفهوم الخاطئ والنظرة المستهجنة بشأن (امرأة مطلقة)!! وأبناء في حيرة من أمرهم لا يشعرون بالأمان بعيدا عن أحد الأبوين وتحديدا الأب في الأغلب، مروراً بمتاعب مالية تفرضها النفقة والغائب و و، هذا بالإضافة إلى ظهور العديد من الحالات الإنسانية التي تعاني من اضطرابات نفسية في حال وجودهم في أجواء مرتبكة ومنزل غير منزلهم الذي ولدوا فيه مثل (منزل العم أو الخال أو الجد أو حتى أقارب من الدرجة الأبعد أحياناً).