إسرائيل بعد {طوفان الأقصى}

آراء 2024/06/06
...

عادل الجبوري

أن تخوض {إسرائيل} معركة عسكرية تدوم ثمانية شهور متواصلة، ودون أن تلوح أي مؤشرات في الافق على امكانية طي صفحاتها بطريقة تخرجها منتصرة أو بأدنى تقدير تخرج وهي محتفظة بماء وجهها، وبقدراتها ومكانتها الخارجية وتماسكها الداخلي. فهذا شيء كبير وخطير وغير مسبوق طيلة ستة وسبعين عاما.
خسائر إسرائيل وانكساراتها العسكرية والسياسية والمجتمعية، تبدو في هذه المرحلة واضحة إلى اقصى الحدود، ولم يعد هناك من يمتلك القدرة على التغطية على تلك الحقيقة المرّة والمرعبة لصناع القرار في تل ابيب، وفي عواصم اخرى حليفة وصديقة، مثل واشنطن ولندن وباريس وغيرها. آخر سلسلة الخسائر والانكسارات الإسرائيلية، تمثل بقرار محكمة العدل الدولية-اكبر هيئة قضائية تابعة لمنظمة الامم المتحدة- الذي يلزم إسرائيل بأن توقف فورا هجومها على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بناء على الدعوى، التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا، واتهمت فيها تل أبيب بارتكاب جرائم إبادة جماعية في القطاع.
 ربما لن تذعن إسرائيل لذلك القرار بسهولة، بيد انه من المؤكد سيزيد من ارتباكها واضطرابها وضعفها، ويفاقم معاناتها ومازقها وازماتها، الداخلية والخارجية على السواء.
 وقبل ذلك بوقت قصير، كانت كلٌ من النرويج وايرلندا واسبانيا قد أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة شكلت صدمة كبيرة جدا لتل أبيب، لاسيما وأنها جاءت من دول تعد جزءا من المنظومة الغربية التي غالبا ما عرف عنها تعاطفها مع إسرائيل، وصمتها عن الكثير من جرائمها وانتهاكاتها للقوانين والمواثيق الدولية.
 وما يزيد الامر سوءا، هو أن تلك الخطوة جاءت في وقت تحتاج إسرائيل إلى أي دعم وإسناد سياسي يخفف الضغوط المتواصلة عليها من شتى الاتجاهات، وفي وقت تتجه المحكمة الجنائية الدولية إلى اصدار مذكرات قبض دولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت، واعلان بعض الدول- وبعضها من المنظومة الغربية- استعدادها لتنفيذ تلك المذكرات فيما لو صدرت رسميا.
 والملفت ان الصحف الإسرائيلية والاميركية الواسعة الانتشار، مثل “هاراتس” و”معاريف”، و”يديعوت احرونوت”، و”واشنطن بوست”، و”نيويورك تايمز”، راحت تتحدث بوضوح وصراحة عن عمق وخطورة المأزق السياسي والعسكري التي يواجهه قادة إسرائيل، ومعهم قادة الولايات المتحدة، بصورة غير مسبوقة.
 ولعل الخطر الحقيقي يكمن في ان الضغوطات السياسية والشعبية الواسعة والمؤثرة والمقلقة على إسرائيل، راحت تتوالى هذه المرة من العالم الغربي بقدر أكبر بكثير من تلك الصادرة من العالمين العربي والاسلامي.
 واذا كانت التظاهرات والاحتجاجات الطلابية التي اجتاحت مختلف الجامعات الاميركية والاوربية، انطوت على رسائل بالغة الاهمية عن الحقائق والمعطيات الجديدة في مواقف الرأي العام الغربي حيال تل ابيب، فإن الانتقادات الهادئة، والدعوات الموجهة لها من قبل حكومات ومؤسسات وشخصيات سياسية غربية عديدة لوضع حد للحرب المدمرة والجرائم المروعة، والانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان في قطاع غزة ومدينة رفح، ربما لاتقل خطورة وقلقا واحراجا لقادة وزعماء إسرائيل عن التظاهرات والاحتجاجاتت الطلابية.
 وبعد عملية “الوعد الصادق”، التي نفذتها الجمهورية الاسلامية الايرانية ضد إسرائيل، في الثالث عشر من شهر نيسان- ابريل الماضي، ردا على قصف الاخيرة للقنصلية الايرانية في العاصمة السورية دمشق، والتسبب باستشهاد عدد من قادة الحرس الثوري فيها. اتضح أن مجمل الوضع الامني والعسكري الإسرائيلي يعاني الهشاشة والخواء والضعف، لان تلك العملية، من حيث طريقة تنفيذها واهدافها، اثبتت ان المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، المتمثلة بالقبّة الحديدية وغيرها، ليست سوى عنوان كبير بمحتوى فارغ لا أثر له ولا تأثير حين تكون له ضرورة!.
وفي الواقع، كانت التداعيات والانعكاسات النفسية والمعنوية للعملية العسكرية الإيرانية على القيادة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي أكبر من التداعيات والانعكاسات العسكرية، وهي جاءت لتكمل وتثبت وتعزز صمود حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس)، بل اكثر من ذلك، انتصاراتها المتحققة في معركة “طوفان الاقصى”، وكذلك وقع الضربات المتوالية على إسرائيل من قبل حزب الله اللبناني، والمقاومة العراقية، وحركة انصار الله
اليمنية.
 ولعل صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية لم تذهب بعيدا، إن لم تكن قد شخصت الواقع بدقة، حينما قالت في أحد أعدادها الصادرة مؤخرا “إن إسرائيل وقياداتها السياسية، باتت معزولة ومحاصرة في الساحة العالمية، وإن هذه العزلة، راحت تتعمق وسط تحديات قانونية مختلفة، وتحوّل في الرأي العام العالمي”.
 والمشكلة إن إسرائيل في خضم حالة الاضطراب والارتباك والفوضى والانكسار العسكري والامني، اخذت تفقد حتى المكاسب السياسية التي حققتها في أوقات ومراحل سابقة، من قبيل مشاريع التطبيع مع عدد من الأنظمة السياسية العربية والإقليمية، وما كان يمكن أن تفضي له من انفتاح في المجالات والميادين الاقتصادية والأمنية والسياسية على المديين المتوسط والبعيد.
 فالانظمة التي أبرمت معها اتفاقيات ومعاهدات التطبيع، لم تعد قادرة على الاستمرار في هذه المسارات، بعد كل ما افرزته معركة “طوفان الاقصى” من حقائق ومعطيات وتداعيات، وبدلا من ذلك، راحت تلك الانظمة تعيد ترتيب أوراقها مع الخصم والعدو اللدود لإسرائيل، الا هو الجمهورية الاسلامية الايرانية.
 والواضح بعد ثمانية شهور من انطلاق “طوفان الاقصى”، إن النهايات وان لم تكن قريبة، إلا أنها لن تأتي كما يريد ويطمح بنيامين نتنياهو ورفاقه. فجزء من تلك النهايات قد تكون نهاية الاخير بصورة سيئة جدا بالنسبة له، وقد تكون مزيدا من التصدعات والاهتزازات والانقسامات السياسية والمجتمعية الكبيرة والخطيرة في الداخل الإسرائيلي.