هذا التغافل عن قضايا وشؤون الناس.. لماذا؟

آراء 2024/06/09
...

 حسب الله يحيى


التغافل.. صفة لا إنسانية، لأن من طبع الإنسان، أنه كائن اجتماعي، وأن شأن الآخرين، يهمه ويعنيه ويشغل باله، ويدق ناقوس تنبيه إليه..

والتغافل.. فيما يقصد منه كذلك، التنكر للآخرين، ورأيهم لا يعتد به، وأنهم خارج تفكيره، ما داموا لا يشكلون خطراً على أمواله وموقعه وممتلكاته ووجاهته. ومثل هذا الفهم، يرى أن ما كان وما أصبح فيه المرء من هيمنة ومقام عالٍ؛ لا يستوي ما تذهب إليه (العامة) من نقد ومطالب وقضايا وشؤون ملحة..

فهذا الذي يعيش في برج من العز والرفاهية، لا ينظر إلى الآخرين، نظرة نبل وحقوق إنسانية ووطنية؛ وإنما هم قوم من العاطلين والفاشلين والمتسولين الذين لا يعنيه أمرهم، ووجودهم يشكل ثقلاً عليه، وأفضل حل هو الاستغناء والتغافل عنهم، وسحبهم من دائرة اهتمامه، بوصفهم كائنات من الدرجة الدنيا، والتي عادة ما توصف بالمطلبية، وكثيرة التذمر والاحتجاج والطامعة بكل شيء حتى يصل الأمر بها.. المطالبة بالمساواة!.

الناس، لا يعنيهم من يكون رئيساً للوزراء، ولا من يكون رئيساً للبرلمان، ولا من يكون رئيساً للجمهورية.. الناس يشغلهم قوت يومهم، وحقهم المشروع في العيش آمنين مستقرين، ضامنين لحياة ومستقبل أبنائهم، مدافعين عن حقوقهم في التعليم الالزامي، والعلاج المجاني، والعمل والسكن والخدمات التي تحققها هذه الرئاسات الثلاث من مكاسب حقة. لهذا لا يعّول الناس، إلا على من ينجز، لا على من يقول ويصرح ويعد بجنات عدن موعودة، تحقق للناس جميعاً ما يطمحون إليه. والناس مع بناء الوحدات السكنية، ولكن الأهم هو توزيع هذه الوحدات بأثمان مدعومة ومقبولة. والناس مع فرض القانون على العشوائيات، ولكن قبل اتخاذ هذا الإجراء، كان لا بد أن نجد حلولاً لهؤلاء الذين يعانون من البطالة وأزمة السكن.

والناس.. مع ملاحقة أولئك الذين يتاجرون بالمخدرات، ولكن توعية الناس بمخاطر المخدرات هو الأهم.. الناس، مع الحوارات التي تجمع، لا تفرق، مع سعادة الآخرين وليس التشفي بالمصاعب التي يمرون بها. الناس، مع سرية توزيع الأسئلة على الطلبة، ولكنهم ليسوا على وفاق مع من يرى أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على هذه السرية هو قطع شبكة الانترنت.

الناس.. الناس، كل الناس يبحثون عن سبل للعيش، ليس بشكل أفضل كما ينبغي للمرء أن يعيشه؛ وإنما بالحد الأدنى للعيش، بالحد الذي يمكنه إعالة نفسه وعائلته.. وبالحد الأدنى للتعليم والصحة والتربية السليمة.

الناس لهم حقوق مثلما عليهم واجبات.. وفرض ضرائب جديدة عليهم كل يوم وعلى وفق أي مراجعة لدوائر الدولة؛ يفترض الناس أن يقابل تلك الضرائب إعمار البلاد والعباد وليس تخريب ما تبقى من الحياة ومن النظام ومن حقوق الإنسان. كل شيء واضح أمام المسؤولين، وكل القضايا والهموم التي يعيشها الناس لا تجد صداها ولا الاهتمام بها ولا حتى الالتفات إلى أصحابها؛ إنما هي أساليب تنكيل وغدر وجريمة، فيما تكمن مهمة المسؤولية الوطنية احترام البشر، بوصفهم بشراً وليس رعية يتم اللعب بحقوقهم ومشاعرهم وحتى بمواقفهم  وآرائهم..

نحن لسنا رعية، بقدر ما نحن بشر لنا قضايانا الملحة التي يفترض الإصغاء إليها ومعالجتها وليس إهمالها والتغافل عنها.