حزب الله وإسرائيل ما الذي تغير؟

آراء 2024/06/11
...

 سناء الوادي *

جذبَ التوتر المتصاعد على الحدود الجنوبية للبنان الشمالية للكيان المحتل بين الجانبين اهتمام وسائل الإعلام كافةً بين التمحيص والتفنيد والتحليل، فضلاً عن بث القلق من اشتعال حرب فعلية قد تصل نيرانها إلى العاصمة بيروت في ظلِّ ما يقاسيه اللبنانيون من أوضاع اقتصادية متردية، ناهيك عن الوضع السياسي المنفلت وأزمة الفراغ الرئاسي، التي لم تشهد انفراجتها حتى الآن بسبب غياب التوافق بين الفرقاء السياسيين

فهل سيقف اللبنانيون خلف حزب الله إذا ما نفذت إسرائيل تهديد مسؤوليها المتطرفين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى وزير الأمن بن غفير، وكذلك بتسلائيل سموتريتش وزير المالية، حيث غرَّد أحدهما على منصة إكس قائلا «حان الوقت لحرق لبنان».

منذ الثامن من أكتوبر عام 2023 كان قد أعلن حزب الله نفسه جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية حماس مبرراً ذلك بتخفيف ضغط القصف على قطاع غزة وتشتيت تركيز الجيش الإسرائيلي وقوته بعض الشيء عن الجبهة الداخلية، بيدَ أنه ومع ذلك بقيت المواجهات ملتزمة بقواعد الاشتباك وعدم الانجرار إلى توسيع نطاق الحرب إلى الإقليمية، إذاً ما هي المتغيرات التي طرأت على مجريات الأحداث، وجعلت من حكومة الكيان تستنفر وتستدعي 350 ألفاً من جنودها إلى الجبهة الشمالية وتهدد بحرب ستقصف فيها بيروت في منتصف حزيران الجاري، بما معناه أنها لن تكتفي بالقرى الحدودية الحاضنة لحزب الله وأنا باعتقادي يكمن هنا بيت القصيد. 

لنعد بالأحداث إلى الأسبوعين الماضيين منذ أن قصفت قوات حزب الله بصاروخ أرض ـ أرض بعض المواقع المستحدثة في شمال إسرائيل، فضلاً عن دخول المسيرات على خط المواجهة حيث أنه تم قصف مواقع في الجليل الأعلى والناصرة ما سبب بوقوع حرائق كبيرة كان من الصعب السيطرة عليها، وبمجرد إعلان الحزب عن ذلك ثارت موجات الجنون لدى السلطات المحتلة، فكون وصول صواريخ دقيقة بهذا الشكل ومسيرات تصيب الهدف ما معناه امتلاك الحزب لنوع جديد من الأسلحة تضاف إلى ترسانته، أي أن مزيداً من الهياج الشعبي للمستوطنين الهاربين من مستوطنات الشمال ستشهده الأيام القادمة إضافة إلى انعدام الأمن تماماً فيها، فكان لزاماً على نتنياهو طمأنة الرأي الداخلي وإطلاق هذه التهديدات النارية فهل سيكون قادراً فعلاً على إشعال جبهة جديدة في ظل فشله بحسم جبهة غزة ناهيك عن تحذيرات وجهتها له واشنطن بعدم الوقوع في مستنقع حزب الله الذي أعده له بكل عناية. 

يائير لابيد أحد عناصر مجلس الحرب المصغر وزعيم المعارضة ممتعضاً قال إن القرى الشمالية تحترق وتحترق معها قوة الردع الإسرائيلية، وفي ذلك تنويهاً لقدرة حزب الله على اختراق القبة الحديدية التي تتغنى بها إسرائيل وهذا ما أثبته فيديو نشره الحزب مؤخراً يُظهر فيه ضرب أحد منصات منظومة القبة الحديدية وإعطابها كلياً.

ومن هنا فإن تصعيد وتطوير العمليات في الأسابيع الأربعة الماضية قد يكون رسالة واضحة من حزب الله للضغط على حكومة الكيان بالرضوخ للمفاوضات وعدم المماطلة بإيقاف حمام الدم على أهل القطاع، ناهيك عن معان مهمة محمولة في طيات هذا التصعيد بإظهار نوع جديد من الصواريخ التي بحوزته، والتي تبيد الخاصرة الرخوة التي تؤلم إسرائيل منذ إعلان قيامها وهي مستوطنة كريات شمونة عن بكرة أبيها، ورداً عما كان يذاع عن مبادلة اجتياح رفح بالتفرغ لإخماد جبهة حزب الله في الشمال وإجباره بالرجوع إلى ما خلف حدود نهر الليطاني، وإقامة منطقة عازلة تضمن امن مستوطنات الشمال، وهو ما يرفضه الحزب جملة وتفصيلاً. 

أمَّا على المقلب الآخر فإن إسرائيل ترد بالمثل بتهديدات ملتهبة بحرق لبنان ككل فتحاول تأليب الداخل السياسي اللبناني على حزب الله من بقية الفرقاء وممارسة سياسة الرقص على الحافة فالشعب اللبناني هذه الأيام غير قادر على تحمل فاتورة حرب جديدة على أرضه، وأن يكون ساحة صراع يظن نتنياهو أنها قد تمنحه صورة الانتصار الذي يبحث عنه. 


* كاتبة وإعلامية سورية