عادل الجبوري
رغم أن عصابات «داعش» ارتكبت في ما بعد الكثير من الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم وأديانهم وعقائدهم، الا أن مجزرة «سبايكر» كانت الأكثر دموية والأشد إجراما ووحشية، وقد أشرت منذ وقت مبكر، وبكل وضوح، إلى طبيعة النهج الاجرامي لـ{داعش» وقبله تنظيم «القاعدة» وكل الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تبنت ذات النهج، واستخدمت نفس الأدوات والوسائل والأساليب في تنفيذ اجنداتها ومشاريعها ومخططاتها الإجرامية
قبل عشرة أعوام، وتحديدا في مثل هذه الأيام، استفاق العراقيون على أنباء اجتياح تنظيم «داعش» الارهابي لمدينة الموصل ومدن ومناطق أخرى، وبعد أيام قلائل، نفذت عصابات ذلك التنظيم الارهابي، جريمة بشعة ومروعة، تمثلت بقتل أكثر من ألف وسبعمائة شاب من طلبة كلية القوة الجوية بقاعدة «سبايكر» في مدينة تكريت، والقاء جثثهم في مياه نهر دجلة، وبعد ذلك مباشرة، أصدرت المرجعية الدينية في النجف الأشرف فتوى الجهاد الكفائي، لدرء الخطر عن المقدسات والاعراض والحرمات، ودفع الشر عن عموم البلاد.
ولا شك أن هناك عوامل وظروفا داخلية داخلية وخارجية اسهمت في ايجاد «داعش» وتمكينه من احتلال مدن ومناطق عديدة في غضون فترة زمنية قصيرة. ولأن المرجعية الدينية، استشعرت خطورة تداعيات الأمور، لذا فإنها سارعت إلى إصدار فتواها التأريخية الشهيرة.
ورغم أن عصابات «داعش» ارتكبت في ما بعد الكثير من الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم وأديانهم وعقائدهم، الا أن مجزرة «سبايكر» كانت الأكثر دموية والأشد إجرامًا ووحشية، وقد أشرت منذ وقت مبكر، وبكل وضوح، إلى طبيعة النهج الاجرامي لـ»داعش» وقبله تنظيم «القاعدة» وكل الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تبنت ذات النهج، واستخدمت نفس الأدوات والوسائل والأساليب في تنفيذ اجنداتها ومشاريعها ومخططاتها الإجرامية.
وارتباطًا بطبيعة ومستوى المخاطر والتحديات التي استدعت تأسيس الحشد الشعبي، من خلال فتوى الجهاد الكفائي، فإنه قد لا يخفى على المراقب، وعموم الرأي العام، أن هناك ثلاثة عوامل ساهمت في أن يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وأن يتنامى حضوره الميداني من خلال انجازات وانتصارات عسكرية مشرفة، إلى جانب دوره اللاحق في الجوانب الإنسانية والخدمية المتنوعة، وهذه العوامل الثلاثة تمثلت بفتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الاسلامية الايرانية وأطراف أخرى، والتفاعل الجماهيري الواسع من قبل مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، دون اقتصارها على عنوان ديني أو مذهبي أو قومي أو مناطقي واحد.
ولعل الإطار المرجعي الذي تأسس الحشد على ضوئه، هو ذاته الذي حدد طبيعة سلوك ودور ومكانة وموقع الحشد بعد التخلص من عصابات داعش، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اقرار قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني- نوفمبر 2016، وضع النقاط على الحروف، وأجاب على تساؤلات واستفهامات عديدة، وبدّد قدرا غير قليل من المخاوف والهواجس المثارة من هنا وهناك.
وقد كانت الحقيقة الشاخصة والماثلة بكل وضوح، هي أن فتوى الجهاد الكفائي، التي أطلقها المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني بعد ثلاثة أيام من الاجتياح الداعشي، أفضت إلى قلب موازين القوى وتصحيح المسارات الخاطئة، ودرء الخطر التكفيري عن مقدسات وحرمات البلاد من شمالها وحتى أقصى الجنوب، لأنه بفضل تلك الفتوى التاريخية انخرط عشرات الآلاف من الشبان، وحتى الرجال من كبار السن في تشكيلات الحشد الشعبي، لمواجهة عصابات «داعش».
ومن يدقق ويتتبع مسيرة الحشد الشعبي، يجد أنها انطلقت بعد صدور فتوى المرجعية، من مناطق حزام بغداد، كسبع البور والضابطية وعرب جبور وهور رجب وابو غريب والرضوانية واليوسفية، ومن ثم اتسعت دائرة الفعل والتحرك لتمتد إلى جرف النصر وبلد وبيجي والعظيم وعزيز بلد وسامراء وآمرلي والفلوجة، وتصل بالتالي إلى الحدود العراقية السورية.
وتمثلت المعادلة الواضحة والجلية، في أنه كلما زاد حضور وتأثير الحشد الشعبي بشتى الميادين والساحات، وبمختلف المفاصل والعناوين، ارتفعت وتيرة حملات التسقيط والتشويه الموجهة ضده، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، عكس إلى حد كبير تقاطع الأجندات والمشاريع التخريبية الخارجية مع الارادة الوطنية بكل أدواتها وعناصرها، وما رفع عقيرة الأعداء والخصوم، هو أن الحشد بات يعد رقمًا صعبًا ومهمًا وثقيلًا في كل المعادلات، ضمن حدود الجغرافيا العراقية وما وراءها، وعنوانا واسعًا وعريضًا في جبهة المقاومة إلى جانب العناوين الأخرى، برسالتها الواحدة الموحدة، ومهامها وأدوارها المتعددة المتنوعة، ومفصلًا أساسيًا من مفاصل المنظومة الأمنية العراقية، إلى جانب دوره الفاعل في مجالات البناء والإعمار والخدمات.
ومثلما كان مهما قبل عشرة اعوام، أن يؤمّن الحشد الشعبي العاصمة بغداد ومحيطها، ويدفع عصابات «داعش» بعيدًا عنها وعن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، فإن المحافظة على الانتصارات المتحققة، كانت تتطلب إلى جانب تكثيف الضربات النوعية القاصمة على أوكار الدواعش في الموصل وغيرها، قطع شرايين الدعم والتمويل والإسناد، وسد الثغرات، عبر إمساك الحدود بصورة حقيقية، ووضع حد لمظاهر الفساد والإهمال والخضوع والخيانة والتواطؤ. وهو ما كان يعني ضرورة عدم التفريط والزهد بأي من عوامل تحقيق الانتصار، لأنه اذا كانت المعركة العسكرية مع «داعش» قد انتهت بعد ثلاثة اعوام ونصف، فإن الحرب الشاملة معه بمظاهرها واشكالها وعناونيها المختلفة بقيت قائمة ومتواصلة، داخل حدود العراق وخارجها.
وفي واقع الأمر، فان ثنائية «داعش» وسبايكر، وبما حملته وانطوت عليه من صفحات اجرامية دموية مؤلمة، قابلتها وتغلبت عليها ثنائية الفتوى والحشد، بما حملته وانطوت عليه من بطولات وتضحيات مشرّفة ما كان لها أن تتحقق لولا حكمة المرجعية وارادة الشعب، ومؤازرة الأصدقاء.
واليوم، في ظل المسارات والتحولات والمتغيرات الايجابية المهمة والكبيرة، ينبغي أن تكون ذكرى الاجتياح البربري الداعشي وفتوى الجهاد الكفائي وتأسيس الحشد الشعبي، فرصة ومناسبة لترسيخ وتكريس ما تحقق من إنجازات ومكاسب وانتصارات، وإيصاد الابواب بإحكام أمام مشاريع وأجندات التخريب والتدمير، والهزائم والانكسارات..