مؤتمرات القمم العربيَّة.. الجدوى والنتائج

آراء 2024/06/12
...

عباس الصباغ

صار الحديث عن انعقاد  مؤتمرات القمم العربية والجدوى منها، من الاسطوانات المشروخة والمملّة، لعدم الجدوى منها لبعدها التام عن القضايا العربية الساخنة والمستجدات الخطيرة التي تلّم بها، ابتداء من انشاص  1964 وليس انتهاء بالمنامة  2024، وفي كل مرة ينعقد فيها اي مؤتمر للقمة  ويلتئم  شمل المؤتمرين العرب، لمناقشة جدول اعمال  المؤتمر تحتدم السفسطات البيزنطية واساليب التخوين والتسقيط بينهم، في وقت يصادف أن  يمرّ العالم العربي بسلسلة من التداعيات والاسقاطات، مرورا بحروب الخليج الاولى والثانية  وغزو دولة الكويت، والاعتداء الاسرائيلي على لبنان المتكرر لأكثر من مرة، مرورا بالهجمة الداعشية الصفراء على كل من العراق وسوريا، واحتلاله لحوالي نصف أراضي البلدين، وماجرى فيهما من مآسٍ دموية  وغير ذلك كثير، ومن يراقب مجريات الأحداث الساخنة والخطيرة التي مرّ بها العالم العربي، يجد الكثير من الاحداث الجسام ما لا يسع لها مقالنا هذا، وهي كثيرة جدا ومتعددة، وفي خضّم تلك الظروف المتشابكة  تتجدد “الرغبة” في انعقاد مؤتمر للقمة في إحدى العواصم العربية  بالاختيار، ولم يكن الشأن الفلسطيني بعيدا عن الملفات العربية الساخنة، بل هو من ضمنها أو في صميمها  كتحصيل حاصل، بل إن مأساة فلسطين  كانت تمر مع الزمن بظروف قاهرة ادت بشكل أو بآخر  إلى المآل الفاجع، الذي تعيشه حاليا وغزة بالخصوص .
وعلى طول التاريخ الطويل من المؤتمرات المتتالية (33) انعقادا  و حوالي ستة عقود،  لم يكن  انعقاد تلك القمم الاّ من باب اسقاط الفرض والحضور فيها من باب المجاملة أو للاستهلاك الاعلامي أو لغرض ذر الرماد في عيون الشعوب العربية المتطلعة من قياداتها  لأي قرار “تاريخي” يكون في مستوى المرحلة  يأخذها إلى بر الامان، فلم يصدر من تلك القمم اي قرار يلبّي طموح الجماهير  العربية، أي لا جدوى من انعقادها  وابسط مثل  الشأن العراقي، الذي بقي شأنا مغيبا، وحتى وإن طُرح للمداولة والنقاش، تبقى القرارات بخصوصه لا قيمة لها، وغير معترف بها دوليا، بدليل حربي الخليج الأولى والثانية العبثية  التي خاضها الشعب العراقي  مرغما، اضافة إلى  احداث التغيير النيساني المزلزل 2003 والتي جرت دون تفويض اممي .
  فكل مؤتمر قمة يخرج بديباجة انشائية (متكررة) لا تغني أو تسمن من جوع، بل حتى على مستوى الرأي العام  العالمي لاتحظى باهتمام بارز كأن تلك المؤتمرات مجرد حدث بروتكولي  دعائي إعلامي محلي لغرض التسويق المحلي، ومن يتابع البيانات الختامية لأي مؤتمر يجدها تتبع ذات الرطانة السمجة والقوالب الانشائية المستهلكة والحضور الاعلامي الدعائي ولقطات السيلفي والتصوير الجماعي المفتعل  في وقت يمرّ فيه العالم العربي  في محن ومآسٍ سياسية/ اقتصادية/ اجتماعية،  اضافة إلى المخاطر  الجيوسياسية الكثيرة  التي تفرضها دول الاقليم،  فما اذن هي قيمة “التشديدات “ و”التأكيدات” و”الادانات” وعبارات الشجب التي يطلقها القادة العرب أو من يمثلهم  ازاء كوارث كبرى تحدث، بعد ان بلغ شهداء غزة  حوالي 40 الف شهيد  وآلاف المصابين، وماهي قيمة “الدعوات” إلى العمل العربي المشترك تجاه تلك النكبات والانتكاسات؟.
   تقام قمة المنامة في وقت حرج وصعب، اذ ما زال الشرق الأوسط، يشهد عمليات كبرى للمقاومة ضد المصالح الامريكية المساندة لربيبتها اسرائيل مع وقوفها المطلق معها في أروقة الامم المتحدة، ومجلس الامن الدولي وتسخيرها لحق الفيتو الممنوح لها كدولة عظمى لصالح اسرائيل، إذن ما هي قيمة الاجتماعات البروتوكولية، ازاء تلك الغطرسة والعنجهية الصارخة والاستهتار المفضوح؟ خاصة بعد رفض الاعتراف بفلسطين، كدولة لها سيادة تتمتع  بكل الحقوق الممنوحة للدول، وتم رفض ذلك الحق بالفيتو الامريكي، والغريب أن مؤتمر المنامة لم يتطرق إلى تلك القضية الحساسة  اطلاقا،  ولم تكن قمة المنامة بعيدة عن تلك التوصيفات السلبية، حين تشن اسرائيل ابشع حرب ضد الوجود الفلسطيني، ومن خلال هجومها الدموي  على معبر رفح، وهو حديث الساعة الذي لم يشر  اليه المؤتمر في بيانه الختامي، بل اكد نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ “حل” الدولتين وهذا اضعف الإيمان.