إعلانات أدوية الأعشاب وأساليبها المقزِّزة

آراء 2024/06/13
...

 أحمد الشطري


الترويج والدعاية للبضائع أمر مشروع بل وضروري، وهو أحد أهم وسائل علم التسويق التجاري، وهو علم له أصوله وقوانينه التي تُدَرس في معاهد وكليات الإدارة والاقتصاد، وعملية الإعلان عن البضاعة تتضمن التعريف بمميزاتها وما يمكن أن يوفره منفذ البيع من خدمات للمستهلك، بغية تشجيعه على اقتناء ذلك المنتج، كما تتضمن طريقة عرض المنتج وصورته التي تظهره بشكل جمالي مغر. 

وكل ذلك عمل وفعل يدخل في إطار المشروعية وقواعد التسويق العلمي الرصين.

وفي الغالب ثمة سلع تكون وسائل الدعاية لها ذات خصوصية من حيث الفئات المرصودة في تلك الدعاية، ولعل من هذه السلع ما يتعلق بالمنتجات الطبية، إذ إن مثل هذه السلع تخضع لوصاية الطبيب المعالج، وليس لاختيارات المرضى، باعتبار أنها تنطوي على محاذير معينة، واستهلاكها يخضع لاشتراطات، لا يعرف تفاصيلها إلا الطبيب المختص، ومن ثم فإن التنافس التسويقي لشركات الانتاج يكون محصورا بمجتمع الأطباء والصيادلة وليس بالمجتمع العام.

وإذا افترضنا تسامحا أن منتجات الأعشاب يمكن أن تكون خارج المحاذير والاشتراطات الطبية العلمية نوعا ما، بيد أن وسائل الترويج لها لا بد من أن تخضع لمعايير أخلاقية على أقل تقدير.

وفي الآونة الأخيرة برزت وبشكل ملفت للنظر الإعلانات الترويجية لمنتجات أعشاب، يزعم أصحابها ممن يدعون حملهم لقب (دكتور)، وبغض النظر عن مدى صدق أو كذب تلك الدعوة التي لا يعرف التخصص الذي منح فيه هذه الشهادة، مدعين بأن هذا المنتج العشبي قادر على معالجة أمراض، ربما عجزت العلوم الطبية المختبرية عن إيجاد الدواء الذي يجتث جذورها، ويزيل ما ينتج عنها من آلام ومخاطر على حياة المرضى.

وغالبا ما تكون هذه الأمراض من الأمراض المزمنة، التي تتطلب علاجات وتشخيصات دقيقة تكتفي بالحد من تطورها وليس القضاء عليها، وهو ما يثير فضول ورغبة أولئك المرضى بتجربة هذه الأدوية العشبية، التي يتفنن أصحابها بالدعوة لاستخدامها بأساليب هي أبعد ما تكون عن الفن التسويقي الرصين، كما أنها أبعد ما يكون عن الأخلاق العلمية والعرفية.

لقد بتنا نشاهد وبشكل مفرط ومقزز عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي أولئك المرضى أو المدعين للمرض، وهم يروجون للدواء العشبي بأسلوب بعيد عن القيم الإنسانية النبيلة، ممتهنين كرامتهم بالقسم بأغلظ الأيمان وبالقرآن المجيد الكتاب المقدس للمسلمين أو بالقسم بالأولياء الصالحين لإثبات نجاعة ومفعولية هذا الدواء.

إن مثل الفعل اللاإنساني يستدعي وقفة تأملية بمستوى الانحدار الأخلاقي، الذي وصل له هؤلاء، سواء باستغلالهم للمساكين من المرضى، أم بما يقدمونه لهؤلاء المروجين من إغراءات مادية. 

وإذا كانت الفضائيات تبحث عن تحقيق بعض المنافع المادية من وراء الترويج لهذه الإعلانات، وتوفير المساحات الزمنية لعرضها من دون أن تردعها القيم الأخلاقية والنبل المهني، فإن هذه الأفعال الخارجة عن القيم النبيلة والممتهنة لكرامة الإنسان تفرض على الدولة بأجهزتها المختصة، ومنظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الدينية على حد سواء، الوقوف بوجهها، ومحاسبة الجهات التي تساهم في إشاعتها وتبنيها كوسيلة من وسائل التسويق لبضائعهم، بغض النظر عن مدى صدق نجاعة تلك البضاعة أو مدى إثارتها للريبة.