علي لفتة سعيد
يبدو السؤال متأرجحًا في المقبولية المنطقية بعد الأحداث التي شهدتها الخارطة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو المناطق الفلسطينية الأخرى، مثلما يبدو استفزازيًا بعد أن وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 36 ألف شهيدٍ وأكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى وتدمير ما يقرب من 50 بالمائة من المناطق السكنية وانتشار الأوبئة والأمراض والجوع وتهشيم العلاقات الاجتماعية، التي تسببّها الحروب بشكلٍ طبيعي، ولا تختلف أيّ حربٍ عن أخرى بهذه المواصفات.
لكنه ايضا يبدو سؤالًا منطقيًا بعد أن بدأ الجميع، بما فيها حركة حماس والكيان الصهيوني يبحثان عن مخرجٍ لوقف الحرب، ولكلّ طرفٍ أسبابه وطرقه وقوّته وما يريده بعد وقف الحرب من استحصال نتائج، لا تجعل الآراء الأخرى ضده على الأقل التي تسبّب الخسار المعنوية والمادية والتاريخية والوجودية لهذا الطرف أو ذاك، كاللوم ونكران الوجود بالنسبة لحركة حماس، والخسارة لموقع السلطة وتآكل أطراف الدعم الدولي بالنسيبة للكيان الصهيوني.
إن حركة حماس ربما تكون أكثر اتجاهًا للإجابة على السؤال، إذا ما كانت هي الآن تطالب بوقف الحرب نهائيا، وتتبادل الأسرى بعد ذلك، فهي تواجه السؤال التالي.. إذا كنت تطلبين كحركة جهادية بوقف الحرب والانسحاب الصهيوني إلى الحدود التي كانت عليه قبل طوقان الأقصى دون تحقيق النتائج. إذن لماذا كل هذه الحرب والخسائر التي قد تصل إلى 50 ألف شهيد، وهو يعني (قتل) نصف عدد الرجال الذين سيكونون فاعلين بالمستقبل، لأن جلّهم من الاطفال؟ وإن الكيان الصهيوني باقٍ وربما يتمدّد ويحصل على أراضٍ جديدة، بحجّة إيجاد منطقةٍ عازلةٍ شمال قطاع غزّة يحول دون إعادة الكرّة لهجوم جديد من قبل الفصائل المسلحة؟
إن الاجابة على هذا السؤال المنطقي تحيلنا إلى البحت عن إجابة السؤال الكلي.. ماذا بعد طوفان الاقصى؟
إن أهم شيء ربحته الحركة خارج (خسائر) الشهداء، لأن العقيدة الإسلامية لا تفكّر بكونها خسائر بقدر ما هي نتائج الجهاد والتضحية بالنفس في سبيل الوطن وتحريره، ولذا فان ما يهم هي الصورة الأخيرة للمشهد الدموي، الذي بات العالم يعرفه، ومن أهم النتائج التي ربما تعد (إيجابية) لطوفان الأقصى هي:
أوّلًا: أنه نبّه العالم إلى وجود كيانٍ غاصبٍ ومتعّصبٍ ودمويّ وكافرٍ لا يحترم الإنسانية ولا يخترم الحدود الفاصلة بين الدولة واللادولة.
ثانيًا: إنه نبّه على أن هناك شعبًا يعيش تحت ظّلّ الاحتلال دون أن يحصل على حقوقه، وإن (شعب) الكيان شعب متهوّر له في كلّ يوم أو مناسبة دينية هجومًا على المدنيين والأماكن المقدّسة الفلسطينية، والتعامل معهم على أنهم ليسوا كمواطنين.
ثالثا: إنه عرّى الدول العربية وخيانتهم وأنهم مجرّد حكامٍ للشجب والاستنكار، وإن الجيوش التي يخسرون عليها مليارات الدولارات هي لقمع شعوبهم.
رابعاً: إنه بدّل وجهة نظر العالم كلّها، بدءا من الأمم المتحدة التي وقفت ولأوّل مرّة ضدّ الكيان الصهيوني، دون الخوف من الولايات المتحدة الأمريكية التي توجد على أراضيها هذه المنظمة الدولية.
خامسًا: إنه جعل محكمة العدل الدولية تخرج من عباءة الخوف والتردّد والانقياد إلى مبدأ القطب الواحد، وتعلن صراحة أن الكيان الصهيوني متعدٍ وآثم وجب إقامة الحدّ عليه والامتثال إلى الفانون الدولي، حتى لو كان ذلك لا يطبق من قبل الكيان وأمريكا.
سادسًا: إنه وهذا هو المهم، مهّد لدول العالم الطريق للاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذه سابقة لم تحصل من قبل.
ربما تكون النقطة السادسة هي الأهم حيث أن اسبانيا وإيرلندا المنضويتان في الإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى النرويج أعلنت اعترافها بفلسطين كدولةٍ، وكذلك السويد وسلوفينيا، وهناك دول في الاتحاد الأوربي ستعلن الاعتراف حين يتم التوصل إلى وقف اطلاق النار، وكلما زاد التعنّت الصهيونية، زاد عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، خاصة وأن دولةً كفرنسا التي ترتبط بعلاقات متينة مع الكيان الصهيوني يقول رئيسها (أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية «ليس من المحظورات» بالنسبة لفرنسا» وهو ما يعني ان الوقت المناسب سيكون قريبا، وهو الفعل الذي سيكون متاحًا أمام استراليا كذلك، التي أعربت عن استعدادها للاعتراف، وهو ما يعني ارتفاع عدد الدول التي اعترفت أو التي ستعترف إلى أكثر146 من بين 193 دولة هم أعضاء في الأمم المتحدة بحسب بيانات السلطة الفلسطينية.
إن الجواب خارج حسابات (الخسائر) سواء البشرية أو المادية التي تعوّد عليها الشعب الفلسطيني طوال تاريخي، وخاصة في الانتفاضات العديدة.. أن كل شيء سيعود ليبدأ من جديد. لكن السؤال الغامض في الساحة. ما هو مصير (حماس) بالنسبة للدول التي ستعترف بالدولة الفلسطينية، كوجود بعد وقف إطلاق النار النهائي؟