علي حسين عبيد
أمضت البشريّة عشرات القرون من عمرها وهي تعاني الظلم والفساد، وكان الإنسان ولا يزال يحلم بالعدل في التعامل المتبادَل وحفظ الحقوق، وقديماً وضع الفلاسفة رؤيتهم للمدينة الفاضلة ودوَّنوا شكلها وجوهرها وشروطها، وأهمّ هذه الشروط ديمقراطية عادلة وقوية وليست منفلتة وسائبة، وقد بدأ العراقيون مشواراً ديمقراطياً منذ عقدين من السنوات، ولكن حتى الآن ما زلنا نحاول أن نبني ديمقراطية ثابتة الجنان قوية تلبي طموح الجميع.
عندما نبحث عن أسباب التذبذب في ديمقراطيتنا نجدها تعاني حالة عدم الثبات، وقلة تجربة الجهات الرقابية في المتابعة والتصويب، والنقص الحاصل في تطبيق القوانين بصورة عادلة بين الجميع، وما زلنا نعاني معايير التفاضل في الفرص المتاحة للعراقيين، فهناك أساليب ليست صحيحة في توزيع هذه الفرص كالمحسوبية وسواها، كذلك هناك مشكلة تسلل القيم الدخيلة والبديلة لتأخذ محل القيم الأصيلة.
إذن السبب في عدم نضوج تجربتنا الديمقراطية واضح ومعروف، لكنَّ معالجته باتت في غاية الصعوبة، فتراجع القيم الأصيلة وعدم الإيمان بها مجتمعياً يعدّ من أخطر صفات الديمقراطية التي نعيشها اليوم، وهذا جعلنا نعيش في وضع اجتماعي متخلخل يفتقر لعدالة القيم وأصالتها، فصار الكسب المادي مسموحاً بكل السبل والوسائل، وهذه كما نلاحظ من المشكلات المعقدة والصعبة، حيث تتطلب منا جهوداً استثنائية ومسؤولية جماعية لمواجهتها ومعالجتها لتصحيح المسار الديمقراطي وإنضاجه، وهذا الأمر مرت به معظم الديمقراطيات الراسخة اليوم، بل أقوى الديمقراطيات عانت هذه المشكلات المعقدة.
لذا هناك سؤال لابد من أن نطرحه على أنفسنا، كيف نعالج هذه المشكلات وأسبابها؟، وكيف نعيد القيم إلى مكانها الصحيح؟، وكيف نقوّي القانون من ناحية التطبيق؟، وكيف نقف بوجه الذين استهانوا بالمعايير الصحيحة، ونشروا في مكانها قيماً دخيلة تداخلت في البناء الاجتماعي، وجعلت الناس يلهثون وراء المكاسب المادية كأنهم في صراع مستميت؟، كل هذه المشكلات العصيبة تحتاج إلى حلول سريعة وقوية مضموناً وتطبيقاً، الجميع تقع عليه مسؤولية المساهمة في بناء الديمقراطية المتوازنة.
ونعني بالديمقراطية التي يعيشها العراقيون اليوم، كيفية تسيير شؤونهم وتفاصيل حياتهم وعلاقاتهم المتبادلة، وكيفية حماية حقوق الجميع وعدم السماح بتحوّل المجتمع إلى ثنائية القوي والضعيف، أو الغني والفقير، لأننا كشعب ودولة نحتاج إلى ديمقراطية حازمة وليست ضعيفة، وبالتأكيد نحن لا نريد الدكتاتورية بكل أشكالها بعد أن ذقنا ويلاتها ومرارتها، ولكن رفضنا للاستبداد والاستعباد، لا يعني أن نعيش في ظل ديمقراطية لا تنصف الناس، بل يجب أن نسعى معا لبناء ديمقراطية عادلة تليق بالعراقيين وتاريخهم الناصع.
إذًا فإن إعادة منظومة القيم الأصيلة يجب أن تكون هدفنا الحاضر والمستقبلي عبر التثقيف ونشر الوعي الاجتماعي الأخلاقي والإنساني، وتقوية القانون مضموناً وتطبيقاً، ودعم الأجهزة الرقابية الرسمية والمدنية، فالرقابة تعني محاصرة المتجاوزين على القانون وتقليل فرص الاختلاس التي تطال المال العام، والهدف الذي نضعه أمام عيوننا ونخطط له بعقولنا، ونسعى إليه بإرادتنا الحرة هو ما ينبغي أن نسعى إليه بجدية عالية مؤمنة، وهو الهدف الذي يضمن لنا حياة ديمقراطية عادلة قوية تنقذنا من الفوضى الإدارية وضعف المعايير الصحيحة.