غيداء البياتي
أكثر الأشياء التي تتربع على عرش الذاكرة من أيام الطفولة، هي اللعب برفقة الأصدقاء في شارع المنطقة أو حديقة المنزل، كنت في مرحلة الدراسة الابتدائية، طفلة صغيرة همي الوحيد اللعب كحال الجميع من أبناء جيلي، ولا يهمنا بردٌ أو حر حيث لا نخشى شتاء بنزلة صدرية ولا صيفا بضربة شمس أو نصاب ربيعا بنوبة بكاء، وكنا نمارس حياتنا الحركية بطبيعتها وبراءتها في الحارات والأزقة والمساحات الخضراء، وما اكثرها حين ذاك لا سيما حديقة المنزل، نجتمع لنلهو بالألعاب الشعبية البسيطة ومنها «الصكلة» و«السبع حجارات» ولعبة «الختيلان» و«البلبل الحاح» و«سلمان يكول» وغيرها من العاب الجري، التي تعتمد على الحركة والذكاء في التنقل، ايضا الكثير من الالعاب المختلطة للذكور والاناث من التي تحتاج إلى قدرات جسدية، وأخرى عقلية وغيرها لقدرات نفسية واجتماعية، كلها كانت تحمل هوية عربية عراقية.
الغريب أن يوما ونحن مجتمعون للعب، انضم إلينا ابن الجيران، وكان قد سكن برفقة اهله حديثا في المنطقة، جاء الصغير يقدم نفسه بحياء، محاولا التعرف علينا بطريقة جذابة، فيظهرعلينا ألعابه الغريبة، التي كانت على ما يبدو مستوردة من الخارج ولعلنا حسدناه حسدا مشروعا على تلك الالعاب، التي كان من بينها جهاز لوحي صغير يعمل ببطارية شحن اذكر حينها كان يسمى «اتاري»، يظهر فيها ماريو بطل اللعبة يطهر المستنقع من الكائنات الزائدة والمضرة، هذا الجهاز الحديث جعلنا نتجمهر حوله يوميا نشجع ماريو على تطهير أكبر مساحة ممكنة حتى سحب البساط من ألعابنا الجماعية الشعبية، ومنذ ذلك الوقت وصولا إلى الاجيال الجديدة، ونحن تحت رحمة الأقوى تبعية، حيث أصبحنا فريسة سهلة للتكنولوجيا الحديثة، فنرى الاطفال مبعدين تماما عن ممارسة الالعاب الشعبية، وأنهم يقضون جلَّ وقتهم باللعب، جالسين على الهواتف النقالة والحواسيب، ما ادى إلى كثرة انتشار أمراض نفسية وجسدية، لم تكن موجودة من قبل كالسمنة والتوحد.
من هذا المنطلق ولأهمية اللعب بالنسبة للأطفال، فقد قامت مؤسسة «ليغو» الدنماركية لصناعة الالعاب بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لاعتماد يوم دولي سنوي للعب، وفعلا اقرته الجمعية وتم الاحتفال به لأول مرة في 11 من الشهر الحالي لهذا العام كخطوة فارقة في الجهود الهادفة إلى الحفاظ على اللعب، ليتمكن الأطفال من جني فوائده والنمو بكامل إمكانياتهم.