أوروبا واليمين المتطرف

قضايا عربية ودولية 2024/06/23
...

علي حسن الفواز



قد يلوح في الأفق انهيارٌ افتراضي للغرب الأخلاقي، وعلى نحوٍ يجعل من قيم الأنسنة والتواصل و"المواطن العالمي" خارج سياق السياسات الأوروبية، مثلما يجعل الديمقراطية مهددة بنوع عصابي من جماعات التطرف والإرهاب الثقافي، وبما يجعل من هذا التحوّل أمام تحدٍ ثقافي يكمن في غرائبية تداولية المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية، ومنها ما يتعلّق بالحقوق والحريات وبالديمقراطية ذاتها.

تشوّه هذه المفاهيم، يعني في جوهره إعلاناً عن تقوّض التقاليد وقيم العقد الاجتماعي، وعن تصدّعٍ في قيم السلام الأهلي، وبما يجعل الحياة في أوروبا مكشوفة أمام تغيّرات ومفارقات صعبة، يتُيح المجال لبروز قوى جديدة تجعل من مركزية التاريخ، ومن خطاب الهوية مجالاتها لإعادة إنتاج السلطة، والترويج للعنف ضد الآخر، من خلال المغالاة بكراهيته، والعمل على إخراجه من النسق الحاكم، بوصفه جزءاً من التحدي الوجودي لتلك المركزية، وإخراجه من ذاكرة الهجرات التي اختلط فيها "الدم الأبيض بالدم الأصفر والدم الأسود" كما تقول المثيولوجيا العرقية في الغرب.

صعود اليمين المتطرف في أوروبا إنذارٌ بالعودة إلى أوروبا الأحزاب النازية والفاشية، وتسويغاً لوجودها بعد عقود من طردها بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا ما يعني تغييراً في مسارات العمل السياسي، والنظر إلى إعادة إنتاج مفهوم "الديمقراطية" على وفق طبخات جديدة لها صنّاعها ومؤرخوها ومفكروها، وبالاتجاه الذي يجعل تصوراتهم الآيديولوجية عن مفاهيم الاجتماع والحرية والديمقراطية والشراكة والتنوع قاصرة على وعي مجزوء ومأزوم، وعالقٍ بذاكرة أباطرة وملوك المركزيات الأوروبية، فالاحتفالات بفوز أحزاب اليمين في انتخابات دول الاتحاد الأوروبي تحوّلت إلى احتفال بصناعة "تاريخ جديد" لتلك الأوروبة، ولنموذجها "النقي" الذي يؤسس خطابه على أساس كراهية الآخر.

فوز حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في فرنسا بزعامة ماري لوبين، وفوز حزب "البديل لألمانيا" ذي الأصول النازية،  وفوز "أخوة إيطاليا" بزعامة جورجيا ميلوني، وكذلك فوز حزب "الحرية" في هولندا، على أحزاب تاريخية وتقليدية في اليسار واليمين يكشف عن خطورة هذا التحول في الانثربولوجيا الأوروبية، ليس في المزاج الأوروبي فحسب، بل في منظومات الأفكار والسياسات، وفي العلاقة مع الآخرين من اللاجئين والمهاجرين ومن "الأجناس الاآسيوية والصينية والأفريقية ومنهم العرب والمسلمون" وهذا ما يهدد فكرة التعايش، وأفكار الديمقراطية والتواصل والتنوير والحداثة التي تكرّست منذ عقود في أوروبا.