د. اركان كيلان
أخذت موضوعة ولي الأمر اهتماما كبيراً في الفكر السياسي الإسلامي قديماً وحديثاً، لأنها مادة الخلاف الأساسية بين المسلمين، فضلاً عن أنها تدخل في إطار حركة المجتمع الإسلامي تنظيماً وتوجيهاً. وبغض النظر عن الخلاف بين المدارس الإسلامية في دلاله بعض الآيات القرآنية الكريمة أو الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ولاية الأمر،فقد عدَّ مبدأ البيعة الذي اختص به الإسلام من أهم مقومات الدولة الإسلامية،
وتنبع أهميته من كونه يمثل عنوان العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقد اختلفت الدراسات الإسلامية حول المبدأ سعة وضيقاً، فمنهم من عده مبدأ سياسياً، اجتماعياً وعسكرياً، في حين حصرته أغلب الدراسات الإسلامية بالبعد السياسي.
اهتم القرآن الكريم بالبيعة إذ ذكرها في أربع مواضع مما دفع أحد المفسرين بالقول إن البيعة هي البيع. وكذا في الأحاديث النبوية الشريفة . ومن متابعة الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، يتبين أن البيعة تكون مع الرسول، وأنها عامة وشاملة للرجال، والنساء، وأن اختلفت صيغة البيعة من الرجل عنها من المرأة، فمن الرجل ارتبطت بالنصرة، والحماية، والقوة أي (القتال والجهاد)، ومن المرأة الالتزام بالمحرمات الأساسية العقائدية، والسلوكية كالشرك، والسرقة، والزنا، وأن أهمية البيعة في القران الكريم ومكانتها جاءت من خلال اقترانها بالبيعة مع الله تعالى وجعل مبايعة المسلمين للرسول مبايعة له ورضاء عنهم . وتكاد تجمع معاجم وقواميس اللغة العربية على أن البيعة تعني صفقة اليد على يد آخر، وتحمل معنى المعاهدة، أو المعاقدة كأن كل واحد باع للآخر من عنده، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، وهي مشتقة من البيع لان كلا المتعاقدين بائع ونقلت إلى معنى العهد على الطاعة والنصرة . أن المعنى اللغوي للبيعة ينطبق على المعنى الاصطلاحي على أنها: «معاهدة أمير المؤمنين على النصرة والطاعة» . وفي معجم المصطلحات السياسية عرفت البيعة على أنها: شكل من إشكال التغيير السياسي القديم والناجم عن مبدأ التشاور أو الشورى في الأمور البينية، اختلاف ما بين الناس من مصالح ومن معارف، أو هي مصطلح أسلامي تدل على عقد ديني اجتماعي وسياسي، قوامه نوع من التبادل بين الحاكم والمحكوم مقابل الوفاء بالتزام الحكم العادل أو الإحسان للمحكوم وعدم ظلمه وقهره واستلابه السياسي. يبدو أن السمع الطاعة والنصرة، مرتبطة بالبيعة، والبيعة مرتبطة بـوجود ولي الأمر الذي اختارته (الأمة)، وأقرت والتزمت بقيادته ضمن الشرع لذا طوال التاريخ الإسلامي كان هناك حرص على أن يحصل ولي الأمر على بيعة الأمة ولو بالإكراه .
مع أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبر أحداً على بيعته وأن العقد الذي بموجبه تأسست سلطة الرسول في (المدينة المنورة)، كان على أساس رضا (الأنصار)، الذين يمثلون الأمة في ذلك الوقت والبيعة لم تكن مصدر لإضفاء الشرعية على حكومة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، لأنها قامت بإرادة إلهية وما البيعة إلا لإعلان الموافقة والنصرة، ولم تكن عنوانا لاختيار الحاكم، لذا فان مفهوم البيعة على ولاية الأمة على نفسها يصح الاستدلال به إذا توافرت فيها شروط منها: أنها وسيلة لاختيار الحاكم، وأنها تختص بمرحلة ما بعد النبوة، وان الممارسة العملية للمسلمين في مجال السياسة قائمة عليه، والبعض يربط البيعة بمفهوم إلزامية الشورى،حيث يعتقد أن من شروط البيعة أن يقوم الحاكم بالمشاورة الإلزامية لمجلس الشورى، في حين وصفت البيعة على أنها مبايعة من طرفين بدل البيعة المفروضة أي مبايعة متبادلة، وهذا يعني أن بيعة المكره لا تجوز وهي تعبر عن إرادة طاعة الله وليس طاعة الرجال. يتضح أن البيعة هي إعلان على الموافقة والنصرة وهي خطوة لاحقة لاختيار الحاكم وليست آلية أو طريقة لاختياره.
وفي الثامن عشر من شهر ذي الحجة، هو موعدنا مع بيعة خير العمل الامام علي (علية واله السلام) من كل عام ليكون عيد الغدير إحدى المناسبات الوطنية لجمهورية العراق، ومن ضمن العطلات الرسمية بموجب قانون رقم (12) لسنة 2024، الذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بالرقم (4777) في 27 ايار 2024 م الموافق 19 ذو القعدة 1445هـ .
الامام علي (علية السلام) هو خير العمل كرامات له منذ الصبا ربيب محمد (عليه السلام) مهداً ودين وهو محطم كتائب كفر ببدر وخيبر وحنين وفي الجمل والنهروان وصفين زاغت الف عين . وكان ولا يزال الامام علي يرى بحبه وبغضه ولد السلامه ففي نهج الولاية والامامة كمال الدين اصلاً للقيامة. علي الحجة الكبرى وبيت الرسول وسيد العرب بكل اقطارها ومطلق الدنيا الأبدي دواماً بيمينه هدم كل أصنامها هو محطم كتائب أحزابها، وقاطع باب خيبر وحصونها هو الذكر في القرآن المجيد، وصانع النصر وصي رسولها هو القائل اسئلوني أجيب عن أسرار الأراضي وسمائه، هو العدل والامامة يقينا وقائد الغر مجندل فرسانها خزين العلوم لجين الكلام معين النطق بكل أحكامها، اذا برز برز كل الايمان هو الحق ووصي نبيها له المناقب والكرامات لزاماً يقف العالم مذهول بأنبائها .
لذا فان ترويج رسالة عيد الغدير بيعة الامام علي ولي أمر المسليمن هو أعلى مراتب الامر بالمعروف وميزان قياس درجة وعي الأمة، هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.