علي لفتة سعيد
لمناسبات الشعوب سبلٌ عدّة، من أجل إعادة بعث الأشياء التي انولدت من خلالها أسباب العيد، سواء ما كان دينيًا كعيد الأضحى وعيد الفطر، ومنها ما كان اجتماعيًا كعيد نوروز وعيد الشكر لدى العديد من شعوب العالم، ومنها ما هو سياسي كالعيد الوطني وأعياد التنصيب والتحرّر والثورات وحتى أعياد التظاهرات، التي شهدت تحوّلات كبرى في حياة هذا الشعب أو ذاك. وهناك أعياد تشترك فيها العديد من المجتمعات حتى تلك التي تتقاطع أو وقعت بينها حروب مثل الأعياد الدينية.
ولهذا فان الشعوب وسلطاتها تسعى إلى استغلال هذه الأعياد واستثمارها بطرقٍ عديدةٍ أيضا، منها لتوسيع نطاق الاتصال مع بعضهم، ومنهم من يسعى لزيادة تقديم الخدمات، أو إعادة الهيبة المتراجعة لأسباب عديدة، أو تثوير الجانب الوطني والنزعة الدينية والعقدية في هذا الشعب أو ذاك. أو استثمارها ضد الحكومات والسلطات، وتتحوّل المناسبة إلى فرصةٍ للمعارضة. بمعنى أن الأعياد لها مكانةٌ خاصة في حياة الشعب، لأنها ليست مجرّد عطلةٍ رسمية لا يستقاد منها إلّا الموظف ليستريح من العمل، بل هي أيّ الأعياد عبارة عن فرصةٍ استثماريةٍ لإعادة الجمود في العلاقات، ما بين الشعب والعبادات، وبين الشعب والحكّام، وبين أفراد المجتمع ذاته. ومن هنا فإن عيد الغدير مثلا لا يختلف عن كونه أيضا مناسبةً دينيةً مهمةً، يمكن أن تكون لها فوائد واستثمارات، ليس من الجانب التاريخي والعقائدي فحسب بل من جانب التلاحم والعمل والترتيب العلاقاتي بين أفراد المجتمع، دون الخضوع إلى مبدأ التناحرات السياسية التي أوجدتها قوى سعت في زمنٍ ما إلى وقوع التفريق والتفرقة. فهذا الأمر سيكون خاضعًا لجميع الأعياد بلا استثناء، حتى الأعياد الوطنية فأنها أيضا تقع في محلّ اختلاف بين السلطة والأحزاب، والشعوب ومن يقودها، وحتى بين المؤسّسات الدينية في هذا المجتمع أو ذاك. لأن الأعياد حين تفرض أو تقرّ أو انوجدت لحالها كالأعياد الاجتماعية التي انتقلت من شعبٍ إلى شعبٍ، ومن تظاهرةٍ اجتماعيةٍ بسيطةٍ تحوّلت إلى ظاهرة ٍعامةٍ، ثم تحوّلت إلى مناسبةٍ كبيرة، ثم تحوّلت إلى مهرجاناتٍ كبيرةٍ بشارك فيها كل فئات الشعب بكل تنوّعاته. فإن هذا الأمر يعني أن الشعب أو الشعوب اتّفقت على أن المناسبة لا تخصّ فئةً حين تكون لهم مناسبة، بل المشاركة فيها للتدليل على الترابط الاجتماعي والديني وحتى السياسي والاقتصادي. ولن يخرج عيد الغدير عن هذه الظاهرة الدينية التي يحتفل فيها جزءٌ كبيرٌ من المجتمع، على أنها فرضٌ أو سبيلٌ لزيادة الإيمان أو حتى لحبّ للشخصية المعنية، بل هو فرصةٌ لزيادة اللحمة بين فعّاليات المجتمع، التي تنتصر لفعّاليات جزءٍ من مجتمع، لكي يجري ماء السلام والوئام في المجرى الوطني. دون التعكّز على الخلافات التاريخية،.
ولهذا فإن عيد الغدير هو عيدٌ لممارسة عقائدية، يؤدّيها جزءٌ من شعبٍ، وهو جزءٌ كبيرٌ، وعلى الأجزاء الأخرى أن تتفاعل معه، وليس شرطًا أن تؤدّي فراضه أو شروطه أو مهرجاناته وفعاليته، بل على الأقل تمضي معه بالتعاطف، لأن الجزء الأكبر له هذه الفعاليات. كما هو حاصل مثلا مع عيد نوروز وأعياد المسيحيين وحتى الأديان الأخرى التي يحتفي بها الجميع بوجود عطلةٍ رسميةٍ أو بغيرها.