أوروبا وعقدة العقوبات الروسية

قضايا عربية ودولية 2024/06/24
...

علي حسن الفواز


يكشف إصرار دول الاتحاد الأوروبي على فرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، عن أزمة عميقة داخل الاتحاد، لأن الاستمرار فيها لم يأتِ بنتائج إيجابية وفعّالة لدول الاتحاد، فضلا عن وجود خلافات داخلية بين تلك الدول حول جدوى العقوبات، ومدى تأثيرها في مصالحها وفي تعاطيها مع ملفات إقليمية ودولية أخرى.
من أكثر هذه الدول اعتراضا على سياسة العقوبات كانت هنغاريا التي تربطها بروسيا مصالح وعلاقات، وتجد في استمرار فرض العقوبات إضرارا بمصالحها الستراتيجية، فضلا عن الخشية من تحوّل النزاع السياسي حول الحرب الأوكرانية إلى نزاع عسكري عالمي، وعلى نحوٍ يمكن أن يهدد الأمن الأوروبي والعالمي. وفي الأسبوع الماضي انضمت ألمانيا إلى الدول التي اعترضت على فقرات من الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات على روسيا، وهي ما منعت توصل الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على حزمة العقوبات الجديدة.
حرب العقوبات المفتوحة تجعل الصراع الجيوسياسي مع روسيا أكثر تعقيدا وإثارة، ومفتوحا على صناعة أزمات أكثر خطورة في العالم، لاسيما مع تطوّر علاقاتها مع الصين التي تملك أكبر قوة تجارية في العالم، وكذلك مع كوريا الشمالية بترسانتها النووية ومواقفها المعادية للولايات المتحدة، وهذا ما أعطى للزيارة التي قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا إلى كوريا زخما واسعا، إذ وقّع مع الرئيس الكوري على عديدٍ من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والتجارية، وهو ما يعني وضع الحسابات السياسية أمام تحديات جديدة، وإبقاء الجبهات مع أباطرة آسيا ساخنة، ومكشوفة على صراعات لا حدود لها.
الاعتراض الألماني على العقوبات الجديدة يضع الحسابات السياسية داخل دول الاتحاد موضع خلاف ونقاش، مثلما يكشف عن وجود خلافات داخل المؤسسات الحكومية، لاسيما على الفقرات التي تخصّ الضرر الذي قد يلحق بها جرّاء التطبيق الكامل لهذه العقوبات، ومنها الفقرة التي تتعلّق بـ»الحظر التعاقدي الخاص بإعادة التصدير إلى روسيا، وإعادة التصدير  للاستخدام في روسيا».
الإصرار على توسيع مدى هذه العقوبات واستمرارها لن يعني تحقيق النصر على روسيا، فقد يلحق الضرر أيضا بكثير من البرامج التي يمكن أن تُعرّض اقتصاديات دول الاتحاد إلى مشاكل بنيوية خطيرة، وإلى حدوث تصدعات قد تُهدد وحدة الاتحاد، وتجرّ الصراع إلى ما يشبه «الحرب الباردة» أو «سباق التسلّح» الذي يعني مزيدا من الإنهاك الاقتصادي، ومزيدا من التهديدات الأمنية التي ستنقل عدواها إلى العالم، وإلى القارة الآسيوية التي تفرض فيها الصين مع تحالفاتها قواعد فاعلة للاشتباك السياسي والأمني والاقتصادي.