محمد حسن الساعدي
عندما يكون القرآن الكريم وهو أعلى سلطة تشريعية للمسلمين، هو الحاكم ويصرح بكلمات وقواعد تحدد للمجتمع آليات العلاقة في ما بينه أو بينه وبين الحاكم، فبالتأكيد على الجميع الركون إليه دون تأويل أو تفسير، وهنا تنطبق الآيات الكريمة على آليات اختيار الحاكم بعد رسول الله (صلى الله عليه واله)، فعندما تحدث القرآن عند آية التبليغ وترسخ قاعدة الاختيار بقوله سبحانه وتعالى « يا إيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس أن الله لا يهدي القوم الكافرين» المائدة 67
أن آلية اختيار الحاكم ليس بالأمر السهل، خصوصاً أن قيادة الامة الاسلامية تحتاج الى قائد وحاكم يحمل العدل بيد والسيف بيد ليحمي ما بناه البني الكريم من أمة إسلامية كبرت وترعرعت على مبادئ الدين الحنيف، بعد كانت هذه الأمة تشرب الخمر وتمارس الفواحش وتقتل النفس المحترمة، لذلك كانت هذه الامة من أكرم الامم والتي كانت قاعدة لكل الامم التي جاءت بعدها وشكلّت قواعد السلوك لديها معايير التعامل فيما بينها وحكمت العلاقة وكان القرآن الكريم الرفيق الرسمي والدستور الشرعي الذي يسير مع رسول الله ليضع قواعد الحكم في الأمة الاسلامية ويرسم معالمها وملامح الحكم فيها.
يحتفل المسلمون في أنحاء العالم، بالذكرى السنوية لتنصيب الامام علي (عليه السلام)، وزيراً وخليفة للمسلمين بعد الرسول الكريم، عليهما أفضل الصلوات، وهنا لا نسعى أو نحاول الإساءة لهذا او ذاك، بقدر حديثنا عن رجل لا مثيل له بعد النبي الاكرم..
لا نريد هنا أيضا التطرق الى تربيته وعلاقته برسول الانسانية، لكن سنكتفي بمبدأ او إشارة واحدة الا وهي مبدأ المؤاخاة المعروفة.. فعندما دخل النبي الكريم الى المدينة، آخا بين المهاجرين والانصار ، فلم يبقَ من المهاجرين سوى (علي) فجاء الى النبي فقال له يا رسول الله لقد آخيت بين المهاجرين والانصار ولم يبقى الا انا فقال الرسول، يا علي ألا ترضى ان تكون أخي ووزيري!.. ومن هنا بدأت شرارة الحسد والحقد، تأخذ طريقها نحو قلوب المنافقين، ومنذ أن امسك النبي الكريم، زمام السلطة الدينية والسياسية في المدينة، ظلت الاحقاد تطارد النبي، وكان الامام علي يقف موقف الصد والسند للرسول، صابراً محتسباً على ظلم وأذى المقربين والأباعد، وكان هو المقدم في السلم والحرب ، وكان المثل والقدوة في الشجاعة.. كان عالماً بارزاً يلجأ لحكمه وحكمته، الشيخ والشاب، والقاضي والحاكم ، حتى أمسى أميراً للمؤمنين، واباً للبشر وشفيعاً للخلق يوم الورود .
جاء يوم الغدير ليعلن الرسول الأكرم، أن الانسانية انجبت فتىً سيكون شريكاً للقران، وصاحب الحوض وقسيم الجنة والنار، فأعلن امام الجميع وقال، هذا اخي وولي ووزيري، اللهم والي من والاه وعادي من عاداه، وأنصر من نصره وأخذل من خذله، فجاء الهاتف من السماء (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك ) حتى تعالت الصيحات من الجميع ، بخ بخ لك يا أبا الحسن فانت لها وهي لك ، فانت ابن كافل النبي، وانت سيف الحق بل الحق كله، وتهافت الجميع لتقديم التهاني للوزير الجديد ، وهو يستلم وزارة النبوة وعهد وصايتها، بعد رسالة نبي الأمة وهاديها، بعد ما كانت تعبد الاصنام وتأكل الطين والتراب..
تقدم الكاذب والمنافق لتقديم التهاني لأمير المؤمنين، ولكن القلوب لم يرق لها ان ترى زوج الزهراء، وزيراً للدولة وقائداً للامة.. كيف وهو قد ساوى بينهم وبين ما دونهم بالعدل؟ أم كيف توافق هذه العقول المتحجرة، أن يكون علي كاسر انوف الشرك اميناً لبيت المال، وحامل لواء امة الاسلام المحمدي الاصيل؟!
الغدير مثل انعطافة مهمة جداً في تاريخ الأمة الاسلامية، فهو مرتكز من مرتكزات الاسلام الحق، وهو أساس منهاج الدولة العادلة، التي كان يسعى لبنائها سيد البشر وهادي الامة ، وما حصل في غدير خم كان حلقة مهمة من حلقات تثبيت الدين المحمدي الاصيل ، ومثل هذا الحدث حجر الزاوية في ترسيخ العدالة والمساواة والانسانية في الحكم ، حتى بات مبدأ العدل قرين علي ، ومنهج المساواة توأم علي.. وعندما فقدت الامة الاسلامية علي والحق ساد الظلم وانتشر الفقر ، وعندما تركت منهجه ضاع العدل، فكانت دكة القضاء تبكي قاضيها والعدل فيها، وامسى مسجد الكوفة مظلماً بعد شهادته.