عمليات تجميل أم تقبيح؟

آراء 2024/06/27
...







 رعد أطياف


الكثير من القضايا التي كنّا نصر على تفاهتها، في طريقها لأن تكون أسئلة “إشكالية” عويصة، وربما ستشكل قلقاً اجتماعياً يتنامى بمرور الوقت. 

تافهة لأنها لا تشكل بعداً وجودياً مقلقاً للكائن البشري، ولأنها لا ترتبط بالحرية العميقة للذات وهي تحاول الخروج من ماهياتها المصطنعة إلى حيث وجودها الأرحب التي اختارته بنفسها. ولأنها مصرّة على تعريف نفسها بهذا النمط الموهوم؛ نمط حياة غارق في الآخرين، لدرجة أن الكثير من الكائنات البشرية لا تقرر بقدر ما يقرر لها الآخرون. 

المرأة، على سبيل المثال وليس الحصر، لا تختار وجودها بنفسها، فتترك الأمر لصناع الموضة والإعلام ومهندسي عمليات التجميل! إن الأسئلة “الإشكالية” يصوغها هؤلاء، أنها أسئلة تستبطن أجوبتها فوراً، فليس من الحكمة أن تفترس الهواجس روح المرأة في ما يتعلق بجمالها؛ هم من يصيغون الأسئلة الموهومة وهم من يجيبون!

إن الأسئلة الكبرى لا تشغل الجموع عادةً، بقدر ما يشغلها اليومي والاستهلاكي، ويحرص على تشكيلها أرباب الموضة والأعلام طبقاً لصورتهم، وتغدو لدينا نسخاً متشابهة تأبى الاختلاف، فتكتمل دائرة السقوط في العدمية: تشابه في الأشكال والمضامين. 

إن الشعار الذي يلتزم به مروجو عمليات التجميل هو كالتالي: سنجعلكم متشابهين! ما عليكم سوى أن تدفعوا لنا، وسنضع لكم لائحة جديدة بمعايير الجمال. 

هكذا فعل بنا الإعلام فعلته المشينة؛ فبفضل التأثيرات التكنولوجية الفائقة، والضغوط النفسية التي تخلقها المعايير الاجتماعية، بدت الرغبة في تحسين المظهر لدى شريحة النساء عارمة، ومصحوبة بتوتر كبير وهواجس نفسية مؤلمة، وخشية تترجم نفسها على شكل عمليات “تجميل”! 

إن التصورات المزيفة والترجمة المشوهة للثقة بالنفس أخذت منحىً آخر تماماً؛ إنها تصورات مفصولة عن واقعها، تجريدات مُستلبة من صورة أصلية وقعت في النسيان، فحلّت مكانها أشباح ذهنية مفصولة عن واقعها الموضوعي تفكر من خلالها المرأة عن ماهية الجمال: عمليات تجميل بغيضة، تنتشر كما الفطر في البلد بشكل غريب، وبحكم هذه التصورات المزيفة تهافتت النساء على هذه العمليات “التجميلية”.

لم تعد الأنوثة بشكلها العفوي الفاتن، وذلك الدفق الطفولي الجذّاب يغري المرأة كجزء من مفاتنها الطبيعية. لقد ظهر لنا “فحول” تستهويهم تلك الأشكال المخيفة، ويدفعون من أجل هواجسهم الجنسية إلى أقصى حد عبر “التفكر” و” التدبر” بهذه الصناعة الجديدة المغرية.

إن الرجال (أمثالنا) لا يستشعرون بأي جاذبية ممكنة تجاه هذا المشهد الغرائبي: شفاه غليظة، ووجنات متورمة، وأثداء مبالغ في حجمها، وحواجب سميكة مرسومة بشكل مخيف. 

ذكر هذه التفاصيل ليس بدافع الضغينة والحسد! وإنما للتذكير أننا أمام معايير اجتماعية جديدة، لم يعد فيها التعريف القديم للأنوثة شغّال بنحو شائع؛ ثم جمال تحدده معايير التكنولوجيا الفائقة تحصل عليه المرأة بشغف مقابل التضحية بحريتها، التي كنّا نظن حقاً أنها تقاتل من أجل حريتها الحقيقية، أي حرية الخروج من سجن المعايير المجحفة إلى فضاء وجودها الخاص، لكن اتضح الأمر، أن شريحة النساء هذه، التي هي ليست بالقليلة كما تعززها الشواهد اليومية، تبحث عن نمط عبودية جديد.

لقد ذهبت “حقوق المرأة” في طي النسيان (بالنسبة لهذه الشريحة على الأقل)، واتضح على ما يبدو أن غاية الحقوق التي ينشدها عدد ليس بالقليل من النساء، هي ليست كما يتصورها التقدميون، وإنما ما تتصورها المرأة عن نفسها وتطلعاتها: سيارات فارهة وآخر إصدارات أجهزة آيفون، ومطاعم مزدحمة، ومراكز تجارية مكتظة، وخادمات أفريقيات لأغراض الدعاية! وأخيراً وليس آخراً كائنات تنظر إلى وجوههن فيخيل إليك ثمة مجزرة “تجميلية” حدثت في هذه الوجوه الأنثوية الغريبة!

لماذا كلما ناضل المثقفون من أجل رفع الحيف والتحيزات السياسية والاجتماعية ضد المرأة تأتي ردود الأفعال مخيبة للآمال من قبل المرأة 

نفسها؟!