القمة والخبزة

آراء 2024/06/27
...

 طالب سعدون  


لا أعرف وربما هناك الكثير غيري حتى  البعض ممن يسمون  بالقادة (حتى لا نظلم الجميع) لا يعرفون كم وصل (عداد) القمم العربية التي حطت رحالها أخيراً في البحرين قبل مدة قصيرة وانتهت بقرارات لم تحل مشكلة من مشكلات العرب وما أكثرها، وهذا النسيان أو الإهمال (يعني أنها لا تعني) عند الجماهير العربية شيئاً ولا حتى عند العالم، لأن الحياة لا تتوقف في العالم بأي قرار يصدر من القمة، فلا النفط ينقطع لأنهم يموتون جوعاً إن قرروا ذلك، ولا  شبكة الانترنت تتوقف لأنها ليست من إنتاجهم ولا صناعة السلاح ولا السيارات ولا الطائرات ولا القطارات وغيرها من مقومات الحياة والحضارة والتقدم.  

العرب دخلوا في القمم فقط عصر السرعة، فهي لا تستغرق عندهم سوى ساعات قليلة، لأن جدول أعمالها ومشاريع قراراتها تأتي جاهزة بتسلسل معروف من اجتماعات الجامعة العربية على المستويات الأدنى، بدءاً من اللجان المتخصصة والمندوبين وصعوداً إلى وزراء الخارجية إلى أن تنتهي  بالقمة لتصدر القرارات باسمها من دون تنفيذ عدا الشجب والاستنكار والدعوات التي لم تجد من يستجب لها وعندها لم تكن أكثر من  تكرار سنوي لكلمات ومجاملات وترحيب وكرم ضيافة ووفادة وألقاب حلوة وعزف سلام وتفتيش حرس الشرف وربما بعضهم يأخذ غفوة، كما يقال بالعراقي على ذمة ما ينشر من صور في الإعلام. باختصار : قمم  ينطبق عليها المثل العراقي (الشهر المالك  بيه خبزة لا تعد أيامه) ويقصد بالخبزة الرزق أو المكسب.

تحولت القمم  بالتدريج إلى قمم (اسقاط فرض) أو روتينية بأدق واقع الحال، لكي يقال أن هناك دولاً لها قادة ورؤساء عرب يجتمعون ويقررون، لكن فاتهم أن دولهم فقدت اسمها الأصلي وأصبحت ضمن مسمى عام جديد (الشرق الأوسط ) ولا نستغرب إذا ما تلغى الجامعة العربية  في يوم ما لتكون وفق المسمى الجديد، إذا ما جرى التطبيع  وسار إلى نهايته.

المواطن العربي العادي وليس النخبة العربية فقط يسأل  بعد قمة البحرين هل توقف (عداد) أيام الإبادة في غزة أم في زيادة، وأرقام الشهداء هل توقفت عند حد القمة أم كانت  في زيادة أيضاً بعد أن  أضيفت آلاف أخرى من غزة  نفسها ومن رفح إلى حرب الابادة  بعد أن اكتظت بالسكان الذين هاجروا إليها وربما وصل العدد إلى المليون من أنحاء القطاع لتطبق اسرائيل الحصار على كامل غزة وتتحكم بالمساعدات والماء والغذاء والدواء وتمعن أكثر في جريمتها بابادة الشعب الفلسطيني.

قمة البحرين ذكرتني بمقال لكاتب كبير رصد فيه ما يملك العالم العربي والاسلامي من ثروات طبيعية وبشرية هائلة يحسده العالمون بها، لكنه لم يستطع أن يحرك ساكناً، يملك ربع مساحة وسكان العالم منها أراض صالحة للزراعة حيث يوجد فيها حوالي 250 نهراً و10 آلاف نهير، بعضها تعد من أعظم الأنهار مثل دجلة والفرات والنيل وتبلغ نسبة الشباب أكثر من 70 بالمئة، ونسبة عالية من العلماء  والمفكرين في المجالات المختلفة وغيرها من الامتيازات التي ينفرد بها هذا العالم لتجعله في مصاف الدول الأعظم خاصة إن من بينها دول تمكنت بجدارة من دخول عالم صناعة السلاح بما فيه المتطور. والسبب الذي يحول دون ذلك  هو الخلافات وعدم تمكن القادة من جعل تلك الامتيازات مصدر قوة، بل تحولت مع مرور الأعوام إلى  ضعف وطمع وتكالب وتأخر عن ركب العالم الذي يتقدم في خطوات سريعة جداً.

قمم عربية فقدت معناها بعد أن عجزت عن تحقيق الحد الأدنى من التعاون، والعمل المشترك ورهنت أوطانها بالخارج حتى في حبة الدواء، وضاعت الإمكانات الهائلة في لجة الخلافات التي أسهمت بتعطيل أي مشروع تكاملي، بما في ذلك انتقال الأفراد والبضائع بينها، ومنذ سنوات نسمع دعوات وقرارات لإقامة السوق العربية المشتركة، وهو الحد الأدنى من العمل المشترك،  ومع ذلك لم تر النور إلى الآن. مواثيق ومعاهدات وقرارات، ركنت على رفوف النسيان، وشماعة الظروف الدولية الجديدة، وكأننا وحدنا في هذا الكوكب، تنطبق علينا (مقاييس العصر) في الخنوع واستباحة الأراضي وسرقة الثروات والسيادة، وهضم الحقوق  والموت.