الصحافة العراقية.. مسيرة النور والبناء

آراء 2024/06/30
...

  د. خالد قنديل *

مثلما كانت بلاد الرافدين على موعد دائم مع النضال عبر العقود الطويلة، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، التي يجتاز فيها العراق الكثير والكثير من الحواجز، والأزمات، والمشاق، ليقف العراق الآن شامخاً كالنسر المحلق أعلى سنام واقع مغاير وجديد، بأقدام راسخة، ومحلقاً في سماوات الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي
كانت الصحافة العراقية كسلطة رابعة ضوءاً موازياً على امتداد الطريق، وكانت ولم تزل ـ بحق ـ صاحبة الجلالة التي أسهمت كثيراً في تعبيد الطريق وإنارته أمام فئات الشعب المختلفة والمسؤولين وكل من له هم في الشأن العراقي، ولم يكن ذلك وليد مصادفةٍ أو أوقاتٍ عابرة، بل إنه إرث طويل يمتد إلى مئة وخمسة وخمسين عاماً، كانت فيها الصحافة العراقية محور ارتكاز رئيسي في إحداث موجات من التوعية للرأي العام، بكل ما يمر به البلد الحضاري العريق، منذ تأسيس جريدة الزوراء في الخامس عشر من يونيو لعام  1869، التي كانت أول مصدر لتاريخ العراق، حتى سقوط بغداد في أيدي الاحتلال البريطاني عام 1917، وضمت أبرز كتاب العراق ومفكريها آنذاك، وعَكَست النزعة نحو الإصلاح مجتمعاً ودولةً، وغطت الجوانب المهمة في الصحة والتعليم والمحاكم، والشؤون
المحلية، وغيرها.
لذا يأتي الاحتفاء الكبير والمهيب بالعيد الوطني للصحافة العراقية، الموافق لذكرى صدور صحيفة الزوراء كأول صحيفة عراقية ـ والذي كم تشرفت وبلغت سعادتي مداها، بأن كنت أحد المدعوين إليه والمشاركين، بين هذه الكوكبة من رموز السياسة والإعلام والفكر ـ احتفاءً مهماً وملهماً يليق بمقام صاحبة الجلالة كمعنى أعمق ودال على بقاء الصحافة صرحاً كبيراً وممتداً بامتداد الأوطان، وجزءاً أصيلاً من انتصاراتها أو انكساراتها المؤقتة، وداعماً وشريكاً وفاعلاً وموجهاً، ومساهماً في بناء أجيال ذات علمٍ ورؤى سياسية متطلعة إلى مواكبة الحدث والظرف الذي يمر به الوطن، بل ومواكباً للمتغيرات في العالم من حوله، وليس غريباً على الصحافة العراقية التي كانت شاهداً حياً على التحولات الاجتماعية والسياسية مثل كتاب تاريخ مفتوح الضفاف، أن يكون لها هذا الدور الملهم في أحرج الأوقات وأصعبها، لتكون صدى رناناً لكل أحوالها، في مواجهة المحتل بكل أشكاله ومواجهة مخططاته في السيطرة على مقدرات البلاد، وفي عروبة الوطن، وفي سيادة قراره، ودعم الرؤى الوطنية، ونبذ ومواجهة الإرهاب الغاشم، والطائفية والتقاليد والعادات
العشائرية.
من هنا، كان لابد أن تكلل هذه المسيرة الطويلة بالرسوخ الأصيل ورمزية الشرف المستقى من شرف الوطن الكبير العريق، وأن تأخذ على عاتقها مسؤولية التميز والعطاء والدفاع عن البلاد،  مثلما قدمت التضحيات العظيمة، بالنفس، حيث استشهد المئات في أوقات عصيبة تصدت فيها البلاد لإرهاب الدواعش وللمحتل، وقدموا الجهد والفكر والتضافر الذي كان علامة نصر شامخة في وجه كل من أراد أن يفرق
شمل العراقيين.
وحتى هذه الساعة لا تزال الصحافة والأقلام العراقية تثبت جدارة وشرفاً وتسطر بالولاء مجداً موازياً لخطى الدولة التي أقالت عثراتها ونهضت مجدداً رغم جميع المعوقات،  في ظل وجود حكومة  وطنية بحق، استطاعت أن تلملم بحنكة جراح الماضي وتجمع الشمل وتقيم الدعائم والعلاقات وترسم طريقاً واضحاً لبلاد الرافدين كقوة شامخة وفاعلة في الشرق وفي العالم كله.

* صحفي ومفكر مصري