بغداد: غيداء البياتي
يتميز أنس العزي «23» عاماً عن بقية أقرانه بأنه أكثر اندفاعاً وأنه يتمتع بحماسة شديدة تجاه كل شيء، ولطالما قال أهله وأصحابه عنه إن اندفاعه تجاه الكثير من الأمور التي لا تعد آمنة مبالغ فيه، فهو يعرض حياته للكثير من المخاطر بمغامراته التي لا تعد ولا تحصى.
الحقيقة أن تهور العزي يعد مشكلة كثيراً ما تقلق أهله وأقاربه وأصحابه عليه، فقد أكد والدا أنس أن العلاقة بينهما وبين ابنهما في توتر مستمر بسبب تصرفاته، فوالدته قالت:»الاندفاع والانفعال الشديد تجاه كل شيء والتهور والطيش صفات ملازمة لهذا الولد منذ المراهقة ولغاية الآن، فهذا النوع من الأولاد لا علاقة للتربية وطبيعتها عليه؛ ومحاولاتنا بتقديم النصح والارشاد له لا جدوى منها، فهو لا يقدر عواقب الأمور ونتائج تصرفاته المتهورة التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، واهماً أنه دائم العنف مع شقيقاته وأصدقائه حتى حين التلاطف معهم، مبينة أن تلك التصرفات هي جينات وراثية فوالده كان يتمتع بالشخصية ذاتها، لكن الحياة والتجارب علمته الحكمة، فضلاً عن التقدم بالعمر والزوجة والأولاد والحرص عليهم جعلت الأب أكثر اتزاناً من ذي
قبل.
الانخراط بتجارب جريئة
أما ديانا محمود الطالبة في المرحلة الإعدادية فتقول:» كل ما هو محيط بي يشكل موضوع تحدٍ بالنسبة لي سواء بالدراسة أو أخذ الحقوق أو علاقتي مع زميلاتي وكل شيء يثبت وجودي، فلا اهتم للأذى لنفسي أو لغيري ما دام الأمر متعلقاً بحقي في العيش مثلما أريد لا مثل ما يريد الآخرون».
وعبد الله « 41» عاماً شقيق ديانا الذي تداخل الحديث معها كان له رأي أيضاً، فأوضح «في عمر المراهقة كنت أحب الانخراط بتجارب جريئة مثل السفر بمفردي أو مع أصحابي، كما أحب الانخراط في مغامرات وتجارب جريئة مثل ركوب «الجتسكي» وسط نهر دجلة وسياقته بتهور والقفز من أماكن مرتفعة، نزولاً إلى النهر للسباحة وشرب الكحول والتدخين، أيضاً كان لدي رغبة كبيرة في إبراز عضلاتي، لذا اشتركت بأحد النوادي ولم أكتفِ بذلك بل كنت أتعاطى الحبوب المنشطة بالرغم من توجيه النصح والارشاد من قبل والدي، لكني لم أكن اهتم، أما الآن بعد أن نضج العقل واشتعل الرأس شيبا، تراجعت لدي الرغبة في المغامرة وصرت أكثر حذراً وخوفاً على نفسي من ذي قبل، وأعتقد لأني أشعر بمسؤولية الاعتناء بالأهل والأولاد، فمن الضروري أخذ الحذر على كل شيء يمس حياة الأسرة سواء في المال أو النفس والتفكير ألف مرة قبل المغامرة بها».
الرأي الاجتماعي والنفسي
مدربة التنمية البشرية وعلم النفس د. سهى مولود قالت لـ»أسرة ومجتمع»: «إن الشخص الذي دخل في معتركات الحياة، بكثرة يكون قد وصل إلى مرحلة التصالح مع ذاته فيرتفع لديه السلام الداخلي، ما يجعله يتنازل عن كل المجربات والاندفاعات التي تعكر السلام النفسي، لذا فإن تجارب العشريني واندفاعه بالعلاقات وطريقة استكشافه للحياة ولفرص العمل تكون أقوى من الثلاثيني حيث يبدأ الانسان بالاتزان في تلك المرحلة العمرية ويفكر في مستقبله بعقلانية، فيبدأ بالتقرب من الأشياء التي ترفع سلامه الداخلي أي إن كل الموضوع مرتبط بطاقة الإنسان التي حتماً أنها تقل مع امتداد العمر».
د. سهى أكدت أن :» الإنسان الذي لم تنفذ طاقته بعمر المراهقة تتحول إلى عقد فيبدأ بعمر الخمسين بتفجير تلك الطاقة بالعلاقات، عكس ذلك الذي كانت مراهقته شرسة وبعمره العشريني كان لديه الكثير من المجازفات والعلاقات والتجارب وخسر كثيراً، فينفذ لديه كل مخزون الطاقة حيث يصبح أقل عصبية وتهوراً وهذا الكلام يشمل كلا الجنسين».
مقابل النمو الجسمي لكل إنسان هنالك نمو عقلي أيضاً يمر بجميع المراحل العمرية لذا فلابد من وجود تغيرات في القرارات تختلف من مرحلة إلى أخرى هذا ما بدأت به حديثها أستاذة العلوم التربوية والنفسية في جامعة بغداد د. ناز السندي وتضيف:» في مرحلة المراهقة يمر الشخص بما يسمى التهور، أي عدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة ويكون مزاجياً وعصبياً وغير مستقر، وذلك سببه تغيير في هرموناته ونتيجة لعدم اكتمال النمو الجسمي والعقلي فيمر بمرحلة التهور وانعدام الاتزان، فنجد المراهق أو المراهقة تكون رؤيتهم للمواضيع غير صحيحة وهذا نتيجة عدم الوصول إلى النضج العقلي الذي يصل إليه الإنسان في مرحلة البلوغ التي يكون بها إنساناً مسيطراً على قراراته وصلباً أمام المواقف، لذا فإنه يتراجع عن القرارات المسبقة التي اتخذها في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وأشارت إلى جانب النضج العقلي هنالك الخبرة في الحياة التي تعلم الإنسان أن يغير كثيراً من سلوكياته السابقة، فالخبرة والتجارب
تعلم الشخص الاتزان وعدم الاندفاع والتهور».