العراق وحرب غزة

آراء 2024/07/01
...

 ابراهيم العبادي

ما يعيق هذه الرؤية هو وجود الحركات المقاومة التي ترفض التسليم بهذه الشروط، وترفض حل الدولتين، رغم تمسك أثر دول العالم، بما فيها اغلب الدول العربية والاسلامية بمشروع حل الدولتين، فحتى هذا الحل المؤطر بقرارات دولية سابقة، يلقى معارضة يمينية صهيونية مهتمة بشعار واحد هو تدمير أعداء اسرائيل اينما كانوا وحيثما كانوا!.

لا أحد في منطقة الشرق الأوسط يمكنه الجزم بموعد اندلاع الحرب الشاملة في المنطقة، لكن كل المؤشرات تذهب إلى أن قادة اليمين المتطرف في (اسرائيل) عازمون على استثمار حالة الحرب المحدودة الان، لتحويلها إلى حرب شاملة، تشمل جميع الاراضي اللبنانية واجزاء من سوريا والعراق.

منطلقات قادة الحرب الصهاينة ايديولوجية -ستراتيجية، فما دامت الحرب اشتعلت منذ7 اكتوبر 2023 لغاية صيف 2024 وهي مستمرة بشعار القضاء على حماس والجهاد الاسلامي، فما المانع من توسيعها لاضعاف حزب الله، لا سيما ان المستوطنين اعتادوا اجواء الحرب، والخسائر المتوقعة لن تزيد عن ضربات صاروخية حتى لو تضاعفت الف مرة غير انها ستكون في حدود التوقع لجهة ما ستلحقه من خسائر بشرية ومادية ونفسية، تحمل كلفة الحرب ستصنع واقعا جديدا على الارض كما يفترض غلاة اليمين، والهدف مغرٍ بطبيعة الحال وهو تفكيك القوى الرافضة لوجود (اسرائيل) لأسباب عقائدية وسياسية وستراتيجية، والدفع بحركة قطار التطبيع مجددا، وإنهاء جميع الأصوات التي اقلقت وجود الدولة العبرية وجعلتها تتبنى ستراتيجية ردع واسعة، بتأييد غربي غير مشروط رغم الاصوات الخافتة المعارضة من سياسيين وناشطين وجمهور، لم ينجحوا في كسر معادلة التأييد غير المشروط، الذي تحظى به الدولة العبرية.

الرافضون لفكرة الحرب الشاملة كثيرون داخل (اسرائيل) نفسها وخارجها، لا سيما من الحامي الأكبر، الولايات المتحدة التي تخشى على مصالحها، كما أن اليسار والوسط ويمين الوسط الاسرائيلي يعتقدون أن استمرار الحرب لن يعزز أمن اسرائيل (الوجودي) بل هو رغبة حكومة نتنياهو في استثمار الفرصة القائمة في المنطقة، لمقتضيات واعتبارات سياسية داخلية، وعسكريا لإلحاق ضرر كبير بحزب الله في لبنان وعموم قوى (المقاومة) تؤدي إلى ترسيم معادلة ردع جديدة تمنع اي هجوم مستقبلي يهدد الكيان، ولغرض بناء سردية حل جديدة للقضية الفلسطينية تقوم على معادلة القوة والامر الواقع! (الاعتراف باسرائيل نهائيا بلا شروط، وقبول رؤيتها الامنية والسياسية).

ما يعيق هذه الرؤية هو وجود الحركات المقاومة التي ترفض التسليم بهذه الشروط، وترفض حل الدولتين، رغم تمسك أثر دول العالم، بما فيها اغلب الدول العربية والاسلامية بمشروع حل الدولتين، فحتى هذا الحل المؤطر بقرارات دولية سابقة، يلقى معارضة يمينية صهيونية مهتمة بشعار واحد هو تدمير أعداء اسرائيل اينما كانوا وحيثما كانوا!.

عقلية الابادة والحرب الشاملة هي التي تسيطر الان، وتقود المواقف، ما تحد من اندفاعها حسابات امريكية وغربية ترى ان اغلاق النوافذ أمام حل القضية الفلسطينية على اساس الدولتين سيدفع (بالتطرف والتشدد) الى أوسع مدى، وسيدفع الجمهور المحبط إلى سلوك سياسي عنيف يهدد ليس الانظمة العربية المعتدلة وحدها، بل سينقل التهديد إلى جميع المصالح الغربية داخل المنطقة العربية والاسلامية وفي خارجها.

هذه الحسابات لها ما يؤيدها، فحركات المقاومة لا سقف يحد من تفكيرها، الذي تغلب عليه الايديولوجيا، وليس حسابات الدول والأمن والاقتصاد والرفاه، وشعارها هو رد العدوان والدفاع عن ثوابت الامة، وهي تدرك مجتمعة أن رأسها هو المطلوب عاجلا ام اجلا، وليس امامها الا الصمود في المعركة وتوحيد الساحات وليكن ما يكن بعدها.

مايعزز حسابات قادة اليمين الصهيوني تريد استثمار فرصة التنافس الحزبي داخل الولايات المتحدة للحصول على مزيد من الدعم والتأييد، مناظرة مرشحي الرئاسة الامريكية يوم الخميس الماضي اكدت ذلك، فالرئيس بايدن ومنافسه ترامب يزايد أحدهما على الاخر في تاكيد حماية ودعم (اسرائيل) واهدافها في المنطقة، وهذا ما يثير فعلا حماسة الثلاثي نتنياهو وبن غفير وسموتريتش للاستمرار في الحرب وتوسيعها لتطول جميع الاراضي اللبنانية، بهدف تدمير حزب الله عبر تدمير لبنان وتحميل الأخير مسؤولية خراب البنية التحتية وتشريد اللبنانيين وتحويل حياتهم إلى جحيم كما جرى في غزة، وسيكون من اهداف هذه الحرب تغيير المعادلة السياسية في لبنان وانهاء (تحكم)؟ حزب الله بقرار السلم والحرب.

اذا اندلعت الحرب الشاملة فان شعار وحدة ساحات المقاومة سيكون على المحك، وستكون الانظار مشدودة إلى ايران والعراق فهما الذخيرة الاكبر، لكن تدخل إيران أمر غير مرجح لألف سبب وسبب، لمن يعرف ظروف ايران الراهنة، وتحديات امنها الداخلي والخارجي، طهران ستستعين بالحلفاء كما هو معروف، لتضغط بتهديد مصالح الغرب لا سيما الولايات المتحدة، ولن تجد افضل من فصائل المقاومة العراقية، التي ستقوم بالرد وتتحمل عبء الدعم والاسناد والمشاركة. 

مساحة عمل هذه الحركات داخل العراق وخارجه سيكون لها ارتدادات امنية وسياسية متوقعة، مايجعل صيف العراق اللاهب المثير للانفعال والهيجان السياسي اكثر خطورة من ذي قبل، فرغم نجاح بغداد في ادارة الازمة حتى الساعة، غير ان المتغيرات السريعة التي تفرضها التطورات الميدانية قد تخرج القطار عن مساره الراهن، العراق هو الساحة الثالثة بعد غزة ولبنان التي ستتحرك استجابة لمضاعفات الحرب. وسيظل العراق هدفا ستراتيجيا لاعداء السلام والامن والتنمية.