سناء الوادي
وفقاً لما سبق فقد شهدنا في العام الفائت موجات من محاولات رأب الصدع بين البلدين إبان الانتخابات الرئاسية التركية، وتحدثت وقتها عندما التقى وزيري خارجية البلدين السيد فيصل المقداد ونظيره جاويش أوغلو بأن هذه ورقة انتخابية سيلاعب بها الرئيس أردوغان معارضيه وخصومه والتلويح بها على أنه يسعى جاهداً لحل مشكلة اللاجئين السوريين في بلده، ناهيك عن تأمين الحدود الجنوبية، لكنه سريعاً ما جذبت انتباه العالم الحرب الروسية على أوكرانيا
غزلٌ سياسيٌ تركيٌ يلوح في أجواء العلاقات التي تأرجحت في غياهب المصالح السياسية بين التآمر التركي على النظام السوري تارةً، وبين التودد إليه إذا ما شعرت بتصاعد خطر الأكراد الانفصاليين على حدودها، هذا الحال ليس بجديد على سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان الموصوفة بالبراغماتية المحضة القادرة على اللعب، فوق حبال العلاقات الدولية وفق ما شاءت رياح سفينته.
ومن هنا وبالعودة خطفاً لعام 2016م حيث شهد بداية دوران الموقف التركي من الدولة السورية أثناء اشتداد قوة قسد « قوات سورية الديمقراطية « في الشمال الشرقي من سورية بدعم من قوات التحالف، التي سيطرت على تلك المناطق واستولت على حقول الغاز والنفط وعلى رأسها أمريكا، وهاهنا كان من الأجدى لأنقرة العودة لعيون دمشق والوساطة، كانت آنذاك روسية والمسار كان آستانة، بيدَ أن تلك المفاوضات وعلى مراحلها لم ترى النور على الأرض وبقيت تركيا أرضاً غنّاء للمعارضة السورية وإعلامها، واليد التركية ملطخة بدماء السوريين، فهي التي ترعى الفصائل المسلحة التي قاتلت الجيش السوري واستولت على عدة مناطق حينها وماتزال حتى هذه اللحظة، إلا أنها مدحورة في جحورها في البعض من مدن الشمال والشمال الغربي والشرقي.
وعلى ذلك فإنه لزاماً علينا التعريج على الطموح التركي الضارب في عمق التاريخ والذي لا يفارق أذهان الساسة المتعاقبين على السلطة مع اختلاف مشاربهم وأيديولوجياتهم بعودة الامتداد العثماني في الدول العربية ودول آسيا الوسطى، وهو ما سعى إليه جاهداً أردوغان مع اندلاع ثورات « الربيع العربي» المفتعلة بدايةً من تونس ومصر وليبيا وانتهاءً بسورية ففي ذلك تدمير للقوى المحورية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وتسهيلاً لفرض السيادة العثمانية وتحقيق الحلم بأن تصبح أنقرة عاصمة الخلافة الإسلامية السنية في العالم، وفقاً للوثيقة الملّية والتي تعرضت لها تفصيلاً في مقالٍ سابق.
ووفقاً لما سبق فقد شهدنا في العام الفائت موجات من محاولات رأب الصدع بين البلدين إبان الانتخابات الرئاسية التركية، وتحدثت وقتها عندما التقى وزيري خارجية البلدين السيد فيصل المقداد ونظيره جاويش أوغلو بأن هذه ورقة انتخابية سيلاعب بها الرئيس أردوغان معارضيه وخصومه والتلويح بها على أنه يسعى جاهداً لحل مشكلة اللاجئين السوريين في بلده، ناهيك عن تأمين الحدود الجنوبية، لكنه سريعاً ما جذبت انتباه العالم الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن انتباه أنقرة التي ساهمت فيها بوساطة تسيير الحبوب الأوكرانية للعالم وعلى المقلب الآخر تبيع طائرات بيرقدار للجانب الروسي « فهي لا إلى هنا ولا إلى هناك « كما أسلفت بالذكر.
أمّا ما حدث في الأيام الأخيرة من تسريب أخبار لقاء الوفدَين العسكريين للبلدين في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية في الحادي عشر من الشهر الفائت، وما سبقه بيوم واحد فقط من لقاء فلاديمير بوتين مع فيدان هاكان وزير الخارجية التركي في موسكو، حيث تضمن اللقاء تركيزاً على آخر التطورات في محافظة إدلب حسب صحيفة « آيدنليك « وللتنويه فقط فإن هذه الصحيفة تنطق باسم حزب الوطن التركي المعارض المعروفة بدعمها لعودة العلاقات مع دمشق منذ بادئ ذي بدء.
فهل ستُظهِر أنقرة هذه المرّة إرادة حقيقية فاعلة ترسم ملامح جديدة للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الجارتين بعدما بدأت ملامح التقارب بينها وبين بغداد بعد زيارة رئيس الحكومة شياع السوداني إلى تركيا والجهود العراقية المبذولة لتسريع التقارب بين دمشق وأنقرة بما في ذلك حلحلة لأهم مشكلة تؤرق العراقيين، وهي مشكلة الاتفاق على حصتهم من مياه دجلة ناهيك عن استتباب الأمن على المثلث الحدودي مع جارتيها وتنشيط العبور عبر المنافذ الحدودية.
ومن هنا فإن هذه الدول الثلاث، فضلاً عن روسيا وإيران بوصفهما دولتين حليفتين وداعمتين للدولة السورية تنظر باهتمام للقاء المرتقب بين الرئيسين السوري بشار الأسد ونظيره رجب أردوغان في بغداد، فهل ستكون روسيا ضامناً حقيقياً للجانب التركي في وعوده خاصةً بعد إظهاره مرونة كبيرة في الامتثال لشرط دمشق الأساسي بالانسحاب من الشمال السوري، تبعاً لبرنامج زمني محدد ووقف دعم الفصائل المسلحة في سوريا بالمال والسلاح، وهل سنرى عودة مسارات آستانة إلى الواجهة؟ كل ذلك مرهون بإظهار الجدية من قِبل الأطراف، التي ستشارك في الوساطة والتي سترعى الاتفاقات المنبثقة عن ذلك.
التفاؤل يلف التوقعات والتحليلات المستقبلية فالاتفاق بات ضرورة ً ملحةً وبخاصةٍ بعد تسريبات من البنتاغون نوهت عنها مجلة «فورين بوليسي» بأن أمريكا تفكر بجدية بالانسحاب من الشمال السوري في ظل انشغالها بملفات أكثر سخونة في العالم، ومن هنا فعلى الجميع العمل سريعاً لملء هذ الفراغ، فما ستقوم به قسد من إجراء انتخابات بلدية قريباً برعاية أمريكية يعني ذلك تثبيتاً لها وتوسيعاً لسطوتها ولربما قيامها بعمل انفصالي يؤسس لأحلام دولة كردية ـ سورية عراقية تركية إيرانية ـ ناهيك عن مجموعات المافيات التي تعيث فساداً في تلك المناطق، والتي تقوم بالإتجار بالمخدرات والسلاح والأعضاء، والتي ستنشط حكماً إذا ما وجد فراغاً أمنياً سيكون المتضرر الأكبر منه هي الدول المجاورة لسوريا فضلاً عن الأردن.
وانطلاقاً من ذلك فإن أنقرة التي أدارت عقارب ساعتها بالاتجاه المعاكس فتقاربت مع مصر ومن ثمَّ العراق والآن سوريا تدرك خطورة الوضع وتحاول بالتعاون مع الدولة السورية الإمساك بزمام الأمور قبل انفجارها.
كاتبة وإعلامية سورية