الشياع في فيسبوك: حشرٌ مع الناس عيد

آراء 2024/07/03
...

 رعد أطياف

«الترند» تلك الكلمة التي عادة ما تترجم حالة الشياع والشهرة لمواضيع معينة في العالم الأزرق. يعزز هذا الشياع الاتجاه السائد لحدث ما، فيغدو موضوعاً خصباً للمدونين. ويتشكل على أثره رأي عام، بيد أنه رأي عام لا يتعدى أسوار العالم الرقمي وسجونه الافتراضية مثل فيسبوك وما يماثله من مواقع.

 نعني هنا بالتحديد الحدث المكتوب، أما المرئي فلا ننكر تأثيراته اللافتة، وعلى وجه الخصوص الإبادة الوحشية لسكان غزة كيف تحولت إلى رأي عام عالمي بفضل الإعلام المرئي وقوة تأثير الـ»تيك توك»، الأمر الذي زاد من حدة التوكيدات التي أطلقها دونالد ترامب سابقاً وحكومة البيت الأبيض الحالية عن خطر الـ «تيك توك» على الأمن القومي الأمريكي. 

المهم في الأمر، إن المشكل الأساس في تنمية اتجاه ما وتعزيزه لكي يصل لمرتبة الشهرة والشياع في العالم الأزرق، أنه يولد ميتاً بلا روح، وبوقت قياسي يغدو من الماضي، ولا تترتب عليه آثار معينة، فبالتالي لا ينعكس، لا سلباً ولا إيجاباً، على سلوك سياسي، أو عمل مؤسسي، أو جهد تشريعي.

ولكي نكون أكثر دقة ووضوحا، لا نعني بالتأكيد كل أنماط الشياع، بقدر ما ننظر إليه من ناحيتين على أقل تقدير، وأعني بهما القضايا السياسية والاجتماعية كما هو مذكور، ذلك أن الشياع ببعده التجاري، وفي ما يتعلّق بنزعة الاستهلاك؛ فالأمر واضح للغاية، بمقدوره أن «يبرهن» لنا عن جودة ما نلبس، ونأكل، عبر الضخ المتوالي لأوهام الاستهلاك والحياة السعيدة!

يحلو لي مقاربة المواضيع المكتوبة، وبالخصوص في الـ»فيسبوك»، بالأشباح التي تحدث في الذهن. صحيح أنها تستمد شياعها من حدث وقع في الخارج، لكنها تعلن موتها في لحظة تحولها إلى حدث فيسبوكي! تبدو كما لو أنها زوبعة ذهنية كبيرة لا تتعدى حدود العالم الرقمي، ومن ثم نعثر على معنى مشترك بينها وبين الفقاعة من ناحية الزمن والتأثير؛ فعمر كليهما قصير جداً، وتأثيرهما ضئيل في الواقع إن لم يكن معدوماً.

 باستثناء الذهن فسيكون نصيبه من هذه النفخة واسعاً، ومقدمة مهمة لكل كآبة مفترضة، تظهر آثارها النفسية بين الحين والآخر، ومن ثمّ نشعر بالفراغ وننساق مع حدث ما حتى لو لم نعرف جذوره. تداهمنا جرأة غامضة وحنين خفي لكي نكون جزءًا لا يتجزأ من موضوع لا يخصنا وليس مصدر اهتمامتنا، ولا نملك المعلومة الكافية عنه، وليست لدينا دوافع حقيقية للتأثير في مجريات الأمور نحو الأحسن، بقدر ما نعزز هذا الشياع تطبيقاً للمثل السائد «حشر مع الناس

 عيد».

إن عمر بعض الحشرات لا يتعدى يوماً واحداً، تسيقظ فيه عن سباتها لأغراض التكاثر استجابة لمنطق الحياة، أما حشرة الترند فهي تستيقظ وتموت مخلفة وراءها كائنات ذهنية لا تقدم شيئاً مهماً سوى غمغمات فارغة من أي معنى. 

أولئك الذين يلهثون وراء «الترند» كائنات لا تجيد صناعة غذائها بنفسها، فتلجأ لالتهام كائنات أخرى لسد رمقها وضمان ديمومتها. إن الشياع يماثل الفيروس، ذلك أن الفيروس يولد ميتاً، وبقوة التطفّل التي يتمتع بها يخترق الخلية لتمده بالحياة. 

إنه يتناثر في جو العالم الأزرق، فيغدو هذا الأخير حاضنة قوية لبث الحياة فيه، ثم يجد مستقره في مجالات خصبة للغاية، أعني بها أذهاننا، ومن ثم ينتشر كما النار في الهشيم. 

لكنه يموت في الخارج بفترة وجيزة، ويعمّر في أذهاننا إلى أجل غير معلوم، ويعيد إنتاج نفسه كلما شعرنا بالفراغ وقلّة الحيلة، فلا شيء أفضل من الشياع، وبالخصوص حين ينطوي في داخله على عدوانية، فهذه الأخيرة مادة دسمة لمن يعانون من أوقات الفراغ

 الطويلة.