قادة الرأي الجدد

آراء 2024/07/04
...

طالب سعدون

أحدثت البيئة الرقمية تأثيرا كبيرا في الرأي العام كله، وفي ايصال المعلومة مما جعل وسائل التواصل الاجتماعي ليس شريكا اساسيا للاعلام التقليدي فقط بل تتقدم عليه في مجالات معينة مثل السرعة في نشر المعلومة والتفاعل الفوري معها وسعة الانتشار في العالم وعدد المشاركين فيها من مختلف الاعمار والمهن والمستويات، وبدون أي تكلفة مادية أو جهد كبير.
وعلى سبيل المثال أن عدد المشتركين في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) لوحده بلغ اكثر مليارين ونصف. وهذا الرقم يظهر دور هذا الموقع في انتشار المعلومة وايصالها إلى المتلقي بسرعة فائقة، وقس هذا الدور على المواقع الأخرى.
كما أصبحت هذه المواقع تشكل وسيلة مهمة للحوار الجماعي وتنمية دور الفرد بعد أن وفرت للمستخدمين فرصة مهمة لايصال افكارهم والتفاعل مع العالم، وتكون حلقة وصل مهمة بين المواطن واصحاب القرار، ولذلك نرى كبار المسؤولين بما في ذلك قادة الدول الكبرى والنخب السياسية والاجتماعية يستخدمون وسائل التواصل كاداة للتعبير عن مواقفهم والتفاعل مع الجماهير والتواصل معها.
هذه المواقع جعلت رئيس الدولة اليوم لا يحتاج إلى وزارته الخارجية أو سفارته في الدول الاخرى لنقل رسالة عاجلة وتهديد لا يحتمل الوقت، أو توضيح رأيه في مسألة محلية أو دولية.. فتدوينة واحدة على تويتر كافية، لأن توصل الرسالة على الفور ويتناقلها العالم.
وامتد دور هذه الوسائل إلى تكوين ( قادة رأي) في القضايا غير السياسية كالتجارة والاقتصاد والتسويق.. هؤلاء يؤثرون في متابعيهم حسب تخصصهم ، وتجد ضمن هذا الصنف من قادة الرأي مواطنا بسيطا حقق نسبة عالية من المتابعين له تتجاوز الملايين على مستوى العالم في الموضة مثلا أو الطعام أو الدواء أوالملابس أو الرياضة واللياقة البدنية والسفر وغيرها..
لقد حدث تغيير كبير في هذه التسمية (قادة رأي).. فلم تعد بالمواصفات السابقة نفسها، وإن كانت بالمهمة نفسها، وهي الترويج للأفكار أو البضائع وذلك باضافة شريحة جديدة، لا يمكن انكار تأثيرها لما لها من القوة في التأثير في المتابعين لها.. وهناك من يرى انه بالامكان استخدام هؤلاء المؤثرين ليس في الترويج التجاري فقط، وانما في القضايا المجتمعية كالتذكير بمبادئ المجتمع وقيمه ومكافحة الظواهر الغريبة والطارئة عليه، ولا تنسجم مع ثوابته.
التكنولوجيا الرقمية عولمة جديدة، اقتحمت الاسوار وحطمت جدران الجغرافيا العازلة، وبروتوكولات السيادة المانعة.. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل التقدم التكنولوجي بضمنها التلفون، والانترنيت، وشبكات التلفزيون الفضائية واحدة من أليات العولمة التي حققت الترابط بين الشعوب، وجعلت الاتصال بينها في الدقائق واللحظات، والتأثير متبادلا بينها، إلا أن هذه العولمة وإن كانت لها من الايجابيات الكثير، لها من السلبيات ايضا، منها انها لا تعترف بالمساواة المطلقة بين الشعوب و الغلبة فيها إلى الأقوى، ومن يمتلك وسائل التأثير في الأخر.. وبالتأكيد يكون أصحاب المال والقوة ووسائل الدعاية هم أكثر تأثيرا في الآخر، مما يجعل الضعيف متأثرا، وليس مؤثرا وتكون نقاط ضعفه واضحة في اي مجال من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعرضة للمقارنة والنقد..
 الخلاصة: إن وسائل التواصل الاجتماعي بهذه القاعدة الشعبية الواسعة والعدد الكبير جدا من المتابعين دون موانع جغرافية أو سياسية، اصبحت أقوى من كل الاحزاب في العالم، ولها القدرة على أن تكشف اخطاء السياسيين والادارات، وساهمت في ظهور ما يسمى بصحافة المواطن، فأصبح للناس العاديين الذين لم يحسب لهم حسابا في السابق تأثير كبير في الرقابة والمحاسبة، وبالتالي لم تعد هناك ضمانة لأحد في تصدر المشهد السياسي أوالرسمي، إن لم يستجب لمطالب واحتجاجات العامة في بلاده، وتحقيق ما وعد به حتى وإن جاء بالطرق الديمقراطية.