علي المرهج
في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا معنى لحضور الذات الآني، إن كان يعتريها نزوع للحضور الفردي، لأنها ذات تحكمها الجماعة وهي أسيرة المخيال الرمزي لهذه الجماعة، وكل خروج عنه إنما هو خروج عن المعروف والمألوف، ومثل هكذا خروج يدخل في مجال “البدعة”، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” لذلك نجد من لديه نزوع فردي في التفكير يتعارض مع متبنيات الجماعة ولا يعتقد بخيالها الرمزي يعيش عزلة معرفية واغتراب داخلي، لأنه يعيش في مجتمع لا قدرة له على مشاركتهم ليكون فردًا له وجوده المستقل داخل هذه الجماعة، ولا الجماعة تقبل بوجوده معها فهو”غريب” بتعبير التوحيدي، لأن” الناس ينصر بعضهم بعضا وناصره قليل” فهو “غريب طالت غربته في وطنه” كما يقول التوحيدي.
من يُفكر خارج السرب أو بتعبير معاصر “خارج الصندوق” لا يكون لوجوده معنى داخل الجماعة وحضوره مثل غيابه لأن “ أغرب الغرباء من صار غريبًا في
وطنه”..
الذاكرة الجماعية مهيمن يمارس سطوته على الذات الفردية في الأغلب الأعم، فالمحيط الاجتماعي: الأسرة أو الدين أو المذهب أو القومية أو الوطنية، كلها مفاهيم لها سطوتها على الفرد لأنها تُشكل محيطه الاجتماعي، وقد تتحكم فيه وفي بناء تصوراته، وكل من حاول التضاد معها بفعل امتلاكه وعيًا نقديًا أو معرفة جديدة تصدم مع مهيمنات المفاهيم المورثة هذه إنما يكون مصير الفرد الرفض أو العزل أو الانزواء..
في كتابها “مدخل إلى على اجتماع المخيال.. نحو فهم الحياة اليومية” تؤكد (فالنتيا كراسي) في دراسة مستفيضة عن علاقة علم الاجتماع بالمخيال، لا سيما ما يتعلق بالمعتقدات، والعادات، والموروثات وتمثلاتها الاجتماعية في الحياة اليومية.
تحدث الوردي عن المثقف ووصفه - بما في معناه - بأنه القادر على التخلص الأطر الفكرية التي نشأ فيها وتربى عليها بوصفها أطرا لها قداسة اجتماعية كانت أو دينية لا يحق له المساس بها، وهو ما يمكن لنا قياسه على مقبولية فكر الوردي في محيطه الاجتماعي، ومقدار قبول الوردي لهذا المحيط وتقبل مقولاته، لنكتشف أن حاله كحال التوحيدي ينطبق عليه ما كتبه عن “الغربة” غربة المفكر أو الفيلسوف.
كأن حال الوردي والتوحيدي هو حال المتنبي حينما قال:
أنا في أمة تداركها الله
غريب كصالح في ثمودِ
نحن نعيش في مجتمع لا يعرف قيمة علمائه، ولا شأن له بهم ولا بفلاسفته ومفكريه إلا ما ندر.
كيف يمكن لمجتمع مثل مجتمعنا يدعي نزوعه للنهضة وهو لا يعرف قيمة مفكريه وعلمائه الذي يعملون على تحقيق النهضة
الحقيقة؟!.
مجتمع تتحكم به العواطف وسبيل معرفته الوجدان ولا يحتكم للعقل البرهاني، ولا يتحمل أتباع كل جماعة فيه تحليل فكرة تاريخية أو نقد شخصية بقصد الفهم لا التنكيل فينبري عليك أولي الجماعة فيكيلون عليك التهم وينسبونك بحسب ما يرغبون في تصنيفك