د. حامد رحيم
شكلت أزمة الطاقة الكهربائية علامة فارقة في الأداء العام للحكومات المتعاقبة بعد عام التغيير السياسي، وكانت دلالاتها ذات معنى عميق، يشير إلى أداء متدنٍ على مستوى إدارة الملفات شديدة الاهمية، بالمقابل استمكان الفساد وقدرته على إعاقة مسببات الحياة الكريمة للفرد العراقي، فلم تشفع معه حجوم التخصيصات المالية الكبيرة لقطاع الكهرباء، ولا يخلو المشهد من التداخل السياسي مع هذه الازمة وبضغوط خارجية
ليقدم لنا ذلك دليلا آخر على هشاشة الأداء السياسي في هذه الحقبة الزمنية. دائما ما نحتاج إلى التحليل الاقتصادي المستند إلى النظرية الاقتصادية، إذا ما أردنا معالجة أو تقديم تصور عن مشكلة اقتصادية، لنسحب ذهنية المتلقي من تلك (الترهات)، التي فرضها واقع الاعلام المعاصر وظاهرة التطفل على التخصصات العلمية مع ما تتبناه الماكنات الإعلامية الداعمة لأصحاب النفوذ. لماذا السلع الصينية في اكثر الأحيان، من الصعوبة بمكان أن تتم منافستها؟ لماذا تكون السلع المماثلة لها اعلى سعراً؟ ببساطة شديدة انها حالة (الوفورات واللاوفورات) في حجم الإنتاج، وهي الحالة التي تحكم المنشأة الاقتصادية في الاجل الطويل، والمفهوم الأخير يعني تلك الحالة التي تقوم بها إدارة المنشأة الاقتصادية بإحداث تغييرات في الجانب المادي (الرأسمالي)، والجانب البشري (القوى العاملة) للمنشأة، هذا القانون الاقتصادي المهم جدا عامل أساس في احداث الفرق في الإنتاج ومن ثم تعزيز منافسة المنشأة في السوق اذا ما كانت في اطار وفورات الحجم، والعكس صحيح، فالتدهور سيكون نصيب تلك المنشأة التي تعمل في إطار اللاوفورات والفرق بينهما يكمن في ان الوفورات تشكل علاقة عكسية بين حجم الإنتاج والتكاليف الكلية بمعنى كلما زاد الإنتاج انخفضت التكاليف وهنا مكمن التميز للسلع الصينية، اما الحالة الأخرى فتعكس الحالة الطردية بين حجم الإنتاج والتكاليف الكلية، أي ان كلمت زاد الإنتاج ارتفعت التكاليف، اما لماذا يحدث هذا أو ذاك فان الفكرة تكمن في (نمط الإدارة) المتبع في المنشأة، فالوفورات تستند إلى نمط إدارة فعال وناجح والعكس صحيح في جانب اللاوفورات التي تعد تجليا لفشل الإدارة. ملف الكهرباء كبير ومتشعب في العراق، والخلل ضرب كل مفاصل منظومة الطاقة من الإنتاج إلى النقل إلى التوزيع إلى الاستهلاك، وتحليل كل تلك المفاصل تحتاج سطورا عدة، لا يسعها هذا المقال المختصر، لنسلط الضوء على مفصل مهم وهو (الشبكة الوطنية) وهي الشبكة الرئيسة، التي تعمل على استلام انتاج الطاقة من محطات التوليد في مختلف انحاء البلاد وتوزيعها بين جميع أجزاء البلاد، هذا الجسم الكبير الذي يعاني من تقادم واندثار وضياعات كبيرة في الطاقة المولدة وغيرها من المشاكل التي يشخصها أصحاب الاختصاص من مهندسي الكهرباء، لنحلل القصة من جانب اقتصادي على ضوء القانون المشار اليه انفا، هناك انفاق استثماري كبير نسبيا على الكهرباء عموما على الشبكة الوطنية خصوصا ذات أبواب متعددة، مما يعني ان هناك تغيرا (رأسماليا) في تلك المنشأة مع استقطاب كبير للقوى العاملة وزجها في هذا النشاط مما يعني ان الجانبين قد تغيرا وهذا يقود إلى الحكم على ان عمل الشبكة الوطنية يقع في (الاجل الطويل)، وسط هذا التدهور في الإنتاج وسوء الخدمة المقدمة مع ارتفاع مستمر في تكاليف هذه الخدمة المقدمة (وان كان اغلبها لم تنعكس على فواتير الأجور التي تصل للمواطن)، إلا أنها بالنهاية تدفعها الحكومة لإيجاد طاقة كهربائية توزع إلى الناس عبر الشبكة الوطنية، ولكل ما تقدم ان القانون الاقتصادي الحاكم هو (اللاوفورات) والذي بينها سابقا انه تجليا للفشل الإداري، موارد مالية كبيرة بدون منجز يقود إلى حل جذري للازمة، انها الإدارة الفاشلة التي سمحت للهدر والفساد أن يكون له دور كبير. مع الشرط الضروري المتمثل بالحد من الفساد في الكهرباء، لا بد من تحديث نمط الإدارة ويمكن اقتراح حلا يتمثل بان (تفكك) الشبكة الوطنية المترهلة ليصار لكل محافظة منظومة خاصة من الإنتاج إلى النقل، فالتوزيع والاستهلاك أو لتكن مناطق مثلا الجنوب منطقتين، الوسط منطقة والشمال منطقتين والغرب منطقة، أو أي تصنيف اخر على أساسه تقسم المناطق بدل الشبكة الوطنية المتهالكة، هذا التغيير في الإدارة للشبكة الكهربائية ربما ستسهم في التحول نحو الوفورات وإيقاف هذا الهدر الكبير بالموارد المالية دون جدوى، لكون الكيانات الأصغر اسهل في التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وبالتأكيد للجانب الفني الهندسي رأي في هكذا تحول مفترض في الادارة.