لماذا يبتسمون؟

آراء 2024/07/08
...

حمزة مصطفى

الابتسامة ذاتها ليست عيبا أو خللا في الشخصية أو الموقف أو حتى المجاملة. حتى حين «تطك» صورة يقول لك المصور.. ابتسم. ومع أن كتاب «دمعة وابتسامة» لجبران خليل جبران افتتح عصر الرومانسية العربية شعرا وغناء، فإن أغنية «بين دمعة وابتسامة ينكضي وياك عمري» لأحمد الخليل أسست لمرحلة يمكن أن نصطلح على تسميتها التعاسية، وإلا بعد انقضاء العمر هل يمكن الحديث عن الرومانسية ولايهون جبران خليل جبران؟ والابتسامة مقبولة في كل الأوقات والظروف بعكس الضحكة، التي يمكن أن تورط صاحبها في مواقف لا يحسد عليها أقلها العبارة المشهورة «الضحك بلا سبب من قلة الأدب». مع ذلك لا أحد يقول عن الابتسامة مثلما يقال عن الضحك الذي له حسب الفيلسوف هنري بريغسون «وظيفة اجتماعية» في كتابه المشهور «فلسفة الضحك»، إذ يبدو أن للابتسامة وظيفة سياسية.
فالسياسة التي هي فن الممكن حسب التفسيرات المعروفة للسياسة والدبلوماسية، تتعدد طرق التعامل معها حسب تعابير الوجه. فإذا استبعدنا الضحك من دائرة العمل السياسي من رخصة بريسغون، فإننا سوف نميل كثيرا على فيلسوفنا العربي جبران خليل جبران ومطربنا الوطني أحمد الخليل، الذي احتار بين ضياع عمره وعمرنا معه بين دمعة وابتسامة قبل أن يجد  الحل في أن نكون معا «هربجي.. كرد وعرب رمز النضال «. ومن جملة ما يرتبط في حياتنا على مستوى الابتسامة هي في كيفية التعبير عن المواقف، التي تدخل فيها الابتسامة القلوب، بدءا من ابتسامتك أمام الكاميرا وانتهاء بمحاولات «البلف» التي يجيدها المبتسمون من أجل تمشية بضاعة حتى لو كانت مزجاة. فالابتسامة ما عدا الصفراء التي لا  أعرف كيف حسبوا لونها من بين الشفايف مثل كلمة «حريمة» التي  نقلت الغناء العراقي من مرحلة إلى أخرى،  بسبب «نكرة السلمان» ومكوث ناظم السماوي سنين عجاف فيها، فإن باقي الابتسامات الحمراء والخضراء والزرقاء والوردية مقبولة بل و»تمشي شغل».  ولأننا نبحث عن الابتسامة دائما حتى في ظل ما يبدو عالما شائكا معقدا لا يقر له قرار ولا حساب لتحولاته فإنهم فاجأونا جميعا بكمية ما يحتفظون بابتسامات للمناسبات السعيدة، تلك الابتسامات التي ارتسمت على شفاههم في منظر يسر الناظرين وغير الناظرين على حد سواء. كل شيء مبتسم. المطار، الشارع، مقر الإقامة، المكاتب الرسمية، المنازل الخاصة، الإجتماعات العامة، اللقاءات الشخصية. تفتح هاتفك يبتسم، تروح للتكتك يبتسم. حتى الترندات تبتسم، الخرفان المنثورة على الصواني «أم العراوي» تبتسم «راضية مرضية» وهي تدخل دائرة الأكباش التي تفدي المتخاصمين. الابتسامات لم تقف عند هذا الحد. الشوربة تبتسم. الحمص بطحينة تبتسم. الفسنجون يبتسم، الدليمية تبتسم. الدجاج الوطني يبتسم. السمك يتبسم، الدولمة تبتسم.. شيء وحيد غرق في ضحك بلا سبب هو.. البمبار.