عادل الصويري
يرصد الناقد فاضل ثامر في كتابه النقدي (رهانات شعراء الحداثة)، والصادر عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين بعض التجارب المهمة في حركة الحداثة الشعرية العراقية، وأهمها في هذا الكتاب : (بدر شاكر السياب وفاضل العزاوي ورشدي العامل ومحمد علي الخفاجي وعلي جعفر العلاق وكاظم الحجاج وجواد الحطاب). وكم تمنيت لو شمل الكتاب تجربة كبيرة كتجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر.
ما إن تنتهي من قراءة هذا الكتاب حتى تصل إلى قناعة أكيدة تتلخص في أن مفردة (الحداثة) مازالت مفردة إشكالية من ناحية تفسيرها الذي كتب واختلف فيه كتاب ومفكرون كثر بين من يدعو إلى (تغريب الشرق)، وبين من يقسمها ــ كأدونيس ــ إلى أنواع داعياً إلى تجاور بين حداثة فنية وعلمية.
ومازال السؤال حاضراً حول إمكانية الجهد النقدي من تتبع الحضور الفاعل والمؤثر للشعر في الذاكرة العربية عموماً، والعراقية على وجه الخصوص، وكذلك حول طبيعة اختيار الناقد للنصوص، والمهيمنات الذوقية أو ربما الايديولوجية التي تتحكم بمزاجه النقدي في الاختيار، فضلاً عن إشكالية أخرى أكثر تعقيداً تتمثل في اللغة النقدية التي يقدمها الناقد لقارئه في حال سلمنا جدلاً أن للنقد قراء في هذا العصر الالكتروني الذي نعيشه. بعد تتبعي لآلية الاشتغال النقدي للأستاذ فاضل ثامر، ومن طبيعة اختياراته أو لنقل رهاناته الحداثية؛ وجدته متأرجحاً بين اتجاهين :
الأول: حفر عميق وممتع كما في عرضه لتجربة الشاعر بدر شاكر السياب وقصيدته “أنشودة المطر” - رغم كثرة استشهاداته بمقولات نقاد آخرين - ، وكذلك في تناوله لتجربة الشاعر فاضل العزاوي التي أراها من أجمل الدراسات النقدية التي قرأتها في هذا الكتاب من حيث القيمة الفنية.
الثاني : توثيق إخباري بدا لي وكأنه تقرير صحفي يسرد وقائع وأحداثاً لا علاقة لها - بتصوري - برهان الحداثة، وهذا حصل في تناول المؤلف لتجربة الشاعر الراحل رشدي العامل. وهنا أسأل : ما الذي يجعل جهداً نقدياً رصيناً يأخذ على عاتقه مهمة تتبع حركة الحداثة الشعرية أن يلجأ لعرض السيرة الحياتية، او التوجه الحزبي للشاعر؟ قد يقول قائل بعلاقتها بالأنساق المضمرة حسب مقولات النقد الثقافي؛ لكن هل يمكن الاسهاب في هذه الأنساق - لو صحَّت - على حساب المكونات الأخرى للنصوص الابداعية؟ ألا ينبغي الاستشهاد بمقاطع من النصوص التي تؤكد تأثير تلك الأنساق على مجمل التجربة الفنية للمبدع؟
لا أعتقد أن الحداثة بوصفها رهاناً إبداعياً يتجلى في نصوص أدبية ستنتفع من مديح ثورة ١٤ تموز ، أو إطلاق توصيفات من قبيل (فاشست/ ظلاميين/ ديكتاتورية) رغم واقعية هذه التوصيفات وحقيقتها، أو ستنتعش حين يتم ذكر أسماء الشعراء والكُتّاب الذين سُجِنوا مع الشاعر ، وكل ذلك من دون الاستشهاد بمقاطع من قصائد تؤكد هيمنة هذه الأحداث على تجربة الشاعر ورهانه التحديثي.
وفي سياق حديثه عن القصيدة العمودية بشكلها الجديد - تحدث عن جماعة قصيدة شعر التسعينية - تأرجح أيضاً في توصيف القصيدة التي يكتبها شعراء هذه الجماعة فنراه يقول : “ظلت تلك القصيدة متسمة بالاستسلام للموقف الغنائي والرومانسي والذاتي إلى درجة كبيرة، وهو موقف يذكرنا بالكثير من تجارب الرومانسيين العرب من مهجريين وشاميين ، بينما لم تعد قصيدة الحداثة - هذا إذا أردنا لقصيدة الشعر ان تندرج ضمن لافتة الحداثة - تحتمل مثل هذا الغناء الرومانسي الحالم ، ص21”.
بينما يرى - قبل ذلك بصفحتين - نفس القصيدة أنها ضخت “عناصر وحمولات ومقومات حداثية من خلال تجديد الصورة واللغة والرموز والموضوعات والثيمات ص19” .