بزشكيان والإصلاح من داخل النظام

آراء 2024/07/09
...

 سالم مشكور


في أول خطاب له بعد الفوز بالرئاسة الإيرانية، خاطب مسعود بزشكيان الإيرانيين بالقول إنه ملتزم بما وعد به الجمهور. 

هو يعرف حجم التحدي الذي سيواجهه من جانب تيار متشدد ومغالٍ في الخوف، على نهج ثوري تأسست عليه إيران الجديدة عام 1979، فضلا عن أصحاب مصالح تراكمت عبر أربعين عاما وأكثر. 

لقد اختار مرقد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني مكانا لإعلان فوزه ولتوجيه أول خطاب له. 

هو يريد التأكيد أنه باقٍ على نهج مؤسس الجمهورية، كما أنه أكثر من الحديث عن المرشد الحالي وشكره على دعمه وأكد أنه لولاه لما فاز!. 

عبارات تحمل الكثير من المعاني والإشارات. 

أولا: هو يريد القول إنه بعيد عن الخط المغالي من الإصلاحيين، وهي الخانة التي حاول خصومه من متشددي المحافظين وضعه فيها. يريد التأكيد أنه لا ولن يكون بعيداً عن المرشد الحالي، وخلال حملته الانتخابية كثيراً ما كان يشيد بالمرشد ويردد بأنه سيتشاور معه في الشؤون الاستراتيجية. هذا ما كان يثير متطرفي الإصلاح ضده، فهم يسعون إلى إلغاء هوية النظام ككل بمعنى إلغاء سلطة المرشد، وما يعنيه إلغاء نظام ولاية الفقيه، عكس معتدلي التيار الإصلاحي، مثل الرؤساء السابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي. 

تمسّك بزشكيان بالتفاهم والتشاور مع المرشد، يغيظ أيضا متطرفي التيار المحافظ، الذين يرفضون حتى الخط المحافظ المعتدل الذي يمثله الرئيس الفائز، فهم يرون ذلك مصدرا لقوته وحصناً له أمام استهدافاتهم المستقبلية لحكومته.

 هو لم يدّع ذلك بل هو قريب فعلا من المرشد ومنهجه كذلك. بعد الجولة الأولى من الانتخابات كان للمرشد خطابان حملا مؤشرات واضحة على دعمه لمنهج بزشكيان الإصلاحي من داخل النظام، مما يعني إدراك المرشد أن اصلاح النظام وإعادة النظر بكثير من سياساته باتا حاجتين ملحّتين لديمومة النظام وتفكيك حلقات الحصار حوله، فضلا عن حل أزمات ايران الداخلية اقتصاديا واجتماعياً

داخليا، بدأ الرئيس الفائز بالتأكيد في بيانه للشعب بأنه سيتحرك من وحي مقولة مؤسس الجمهورية الراحل الذي قال: كونوا معاً فالبلد بلد الجميع، والجميع هم أبناء هذا البلد»، وهو ما كان يفصّله خلال حملته الانتخابية بالإشارة إلى تقصير مع الأقليات العرقية والدينية والمذهبية الإيرانية. هو تركي القومية، وأمه كردية من مهاباد، إيراني الهوية والانتماء وهذا ما أهله لكسب أصوات كل هذه المجموعات. 

أكد بانه سيستعين بالأشخاص على أساس الكفاءة والأحقية دون أي اعتبار آخر. أشاد بإيرانيّ الخارج ودورهم في بناء إيران، معيداً بذلك سياسة رفسنجاني، التي نجحت في استقطاب مئات الكوادر الإيرانية المعارضة في الخارج بعد إقناعهم بالفصل بين الموقف من النظام والموقف من إيران الوطن.

باختصار فان برنامجه وتطلعاته تقوم على أساس مراجعة لتجربة خمسة وأربعين عاما من أداء الحكم الإسلامي داخليا وخارجيا، دون تفريط بأساس النظام.

نفس الأساس تقوم عليه برامج بزشكيان في موضوع السياسة الخارجية، التي لا يفصلها عن طموحاته الإصلاحية الداخلية. 

يقول في بيانه الاول: جئت لأبعد إيران عن طوق الحصار والاخطار والحروب ولبناء سلام مستدام وعلاقات تعاون في المنطقة بما يصب في مصالح إيران الوطنية. هو لا ينسى التأكيد على ثالوث السياسة الخارجية الإيرانية ( العزة، الحكمة، المصلحة)، وعلى أساسه يريد إعادة صياغة سياسة بلاده الخارجية وبناء تعامل بنّاء مع العالم.

برنامج بزشكيان أصولي إصلاحي طموح، لكنه يتوقع الإعاقات من جانب من يستشعرون الخطر على النظام، والذين يرفضون أية محاولات لإعادة تقييم الأداء رغم مرور 45 عاما على الحكم الإسلامي. لذلك جاء تأكيد الرئيس الفائز على ضرورة تعاون كل مؤسسات الحكم، وطلب من مجلس النواب الذي يتحوف من أكثريته المحافظة التعاون، التعاون واحترام رأي الأغلبية التي انتخبته.

ما يهم دول المنطقة هو السياسة الخارجية لحكومة الرئيس بزشكيان المقبول من معتدلي الإصلاحيين والأصولين، وقدرته على صياغة علاقات متوازنة بعيدة عن التوتر، وهو ما يعتمد على نجاحه في الموازنة، بين دور الدبلوماسية الإيرانية من جهة، والعلاقة مع مشروع المقاومة في المنطقة وقنواته غير المرتبطة بالحكومة الإيرانية. 

هذا أيضا يعتمد على قدرته على التفاهم مع المرشد في تطبيق ما يراه في هذا المجال.