سوسن الجزراوي
وفق المفردات اللغوية الغربية، تسمى عملية تمكين المرأة: (ومنز امپاورمنت)، ويشير مفهوم هذا المصطلح إلى أهمية إتاحة القدرة لها لاتخاذ قرارات مصيرية وحياتية واجتماعية، تساعدها على الاستقلال الذاتي، بعيداً عن التدخلات الذكورية المتسلطة، التي يتخذها الرجل في محاولة لاثبات الذات أولا وإشاعة فكرة أنه الأكثر قدرة على حسم القرارات.
وترجع فكرة هذا المشروع المهم جدا، إلى زمان بعيد، ربما يعود إلى عام 1905 مع اندلاع شرارة الثورة الدستورية الفارسية، ليصل ايضاً عند بوابة القاهرة ومبادرة هدى شعراوي، التي أسست اتحاداً خاصاً بالمرأة عام 1923.
وجاءت هذه الانطلاقات، بصور واشكال مختلفة، مثل التظاهرات النسوية المطالِبة بمساواتها مع الرجل، مروراً بالانجازات والتجارب الفردية، التي سعت فيها المرأة بنجاح متفرد لاثبات كفائتها، وصولا إلى فترة الستينيات التي شهدت حراكاً جاداً لأخذ حقوقها في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والفكرية والتربوية والعلمية والسياسية.
ولأن محور القضية هو : (الاستقلالية) بمعنى التفرد باتخاذ اي خطوة دون تأثيرات ذكورية، صار من المهم بل والضروري، ان نتجاوز مسألة التمكين بمفهومه العام المألوف، وهو اجتماع عدد من المشرعين للتصويت على قرارات تخص المرأة وتمنحها دستورية وشرعية ايجاد منصتها الخاصة بها، وأقول : يجب أن نتجاوز هذه السلسلة من القرارات البيروقراطية، التي يصدرها مجموعة من الرجال حتى ( يسمحوا)، للنساء أن يكونوا متمكنات من السير دون التعكز على هذا وذاك. فالموضوع عبر بأشواط كبيرة هذه الاجراءات بمفهومها السطحي، إذ نرى أن المرأة اليوم اصبحت مشرّعة، وباحثة، وقاضية، وضابط في الجيش وغيرها من المناصب التي جعلت قدراتها لاترتبط بما يسمح به عالم الرجال كما قلت.
وفي معرض حديثي هذا، أحاول أن أبعد الموضوع عن فكرة التبعية لا أكثر، دون المساس بكرامة احد من أبناء (آدم)، فأنا من المؤمنات جدا بتكامل المجتمع والحياة، كما واحترم جدا قدرات الرجل الجسدية في تحمل أعباء قد لا تقوى المرأة على تحملها، نظراً للفارق في تكوينهما الفسلجي.
وكوننا نتحدث عن فكرة تمكّن المرأة من اداء عملها، أصبح من الضروري ان نتحدث عن هذا الاداء وخصائصه، فهو لا يحب أن يكون اداءً عادياً في جوهره، لا لشيء، انما لأنه يدخل في ساحة التنافس والابداع والخطوة الجريئة الحاسمة المدروسة التي لا تترك للخطأ فيها اي نسبة. وتقودني الذاكرة إلى أعمال أول مؤتمر عقد في بغداد، تناول قضية تمكين المرأة في المجال الاقتصادي، وكان هذا التجمع مركزاً على فكرة: المساواة تعني العمل (بجدية)!.
وكان هذا المؤتمر قد عقد برعاية برنامج الأمم المتحدة الانمائي، والذي سلط الضوء على أهمية كسر كل الحواجز التي تعيق مشاركة المرأة في الساحة الاقتصادية، كذلك الاعتراف بقدراتها ومايمكنها ان تبذله للوصول إلى المساواة الفعلية عبر الأداء المتقن، وأن أي مجتمع في العالم لا يمكنه أن يمتلك اقتصاداً قوياً دون مشاركة المرأة فيه. ولتعزيز دور النساء بشكل فاعل ومنهجي، استحدثت ( دائرة تمكين المرأة ) في الامانة العامة لمجلس الوزراء، كان الهدف منها، تقوية دورها ومنحه صفة رسمية، اذ كانت هذه الخطوة مهمة جداً لتذليل جميع الصعوبات التي قد تعترض عمل المرأة، كذلك تقوية وجودها في سدة الحكم والمحفل الوزاري والرئاسي بما يجعلها شخصاً موثرا لا يقل دوره عن دور الرجل.
وتحققت الكثير من اللقاءات والندوات وطرحت العديد من الافكار التي توسع مجال عملها في اغلب دوائر الدولة ومرافقها، وأنا أرى أن (تمكين المرأة )، يجب ان يأخذ مسارات أوسع ويحقق قفزات نوعية نلمس تأثيرها على المجتمع ابتداء من البيت، وصولا إلى مكان العمل الذي سيقودنا إلى مساحات واسعة في كوكب المرأة الذي قد نراه يوماً متناغماً مع ( زحل ) ومنافسا (للمريخ) بفضل ما سيكون من ابداعات ومنجزات.