البارزاني وحلحلة العقد المستعصية بين بغداد وأربيل

آراء 2024/07/10
...

عادل الجبوري

طبيعي أن التفاهم والتوافق بين المركز والإقليم من شأنه أن يساهم في تطويق مساحات الخلافات داخل البيت الكردي، ويبعد عنه شبح العودة إلى الاقتتال الأهلي والتفكك والانقسام السياسي والمجتمعي والجغرافي، وفوق ذلك، يمكن أن يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحد من التدخلات الخارجية
 قلنا في مقال سابق، إن «الحلول للأزمات والمشكلات بين بغداد وأربيل، وإن كانت صعبة الا أنها ممكنة وغير مستحيلة، بتوفر النوايا الحسنة، والإرادات الصادقة، والتقديرات الموضوعية لكل الأمور، والانطلاق من حقيقة أن ضعف وتشرذم الإقليم لا يخدم بغداد، والعكس صحيح أيضا».
 بهذا المعنى، تحدث زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني من العاصمة بغداد، التي زارها الاسبوع الماضي، بعد انقطاع امتد لستة اعوام، شهدت الكثير من التجاذبات والمناكفات بين المركز والاقليم، وبالتالي اتساع مساحات الاختلافات والتقاطعات حول مجمل القضايا الخلافية، رغم أن التواصل والحوار لم ينقطعا أو يتوقفا بين الطرفين على كل الصعد والمستويات.
 التقى البارزاني في بغداد مختلف الزعامات والشخصيات الحكومية والحزبية الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي العام، وأجرى مباحثات وحوارات تفصيلية وصريحة، ومن بين ما قاله «أن المناخ السياسي العراقي يشهد انفراجة وانفتاحاً، ويمكن أن يكون ذلك فرصة جيدة لتبادل الرؤى حيال العقبات وسبل معالجة المشكلات.. وأن الدستور يشكّل أساساً متيناً لجميع الأطراف السياسية من أجل التغلب على المشاكل  والتحديات».
ومن بين ما سمعه من مضيّفيه في بغداد، «قطعنا شوطاً مهماً في بناء الثقة بين حكومتي المركز والإقليم وتجاوزنا المشكلات الموروثة»..» ومن المهم جدا مواصلة الحوارات البناءة، والتعاون والتكاتف للتغلب على كل العقبات والمشاكل القائمة، وفقا للدستور والقانون والمصالح والمشتركات الوطنية
العامة».
 لاشك تبدو الأرضيات والمناخات والظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى لحلحلة العقد المستعصية والشائكة بين بغداد واربيل.
فالحكومة الاتحادية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، تبنت منهجا عقلانيا هادئا بعيدا عن التشنج والانفعال في التعاطي مع مختلف الملفات، لا سيما تلك المرتبطة بإقليم كردستان، وتمكنت من إحراز بعض التقدم، وان كان الأمر بطيئا نوعا  ما.  
وقابل ذلك، مرونة وتجاوب كردي مع العديد من المقررات والأحكام القانونية والقضائية والإجراءات الفنية للحكومة الاتحادية، رغم الاعتراضات، وبرز ذلك واضحا من خلال تفعيل اعمال اللجان المشتركة في مختلف العناوين، وخصوصا المالية والأمنية والاقتصادية، دون أن يعني ذلك بالطبع طيّ صفحة الخلافات والاختلافات والتقاطعات بالكامل، لأن الوصول إلى ذلك الهدف يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا.  
ومثلما تبلورت قناعات لدى صناع القرار في بغداد مفادها، بأنه لا سبيل لوضع حد لحالة الصدام المستمر بين المركز والإقليم إلا بسلوك طريق الحوار البناء، فإن صناع القرار في الإقليم، وتحديدا في أربيل، أدركوا تمام الإدراك، أن لا خيار امامهم اذا كان يريدون إخراج الإقليم والشعب الكردي من دوامة المشكلات والازمات المجتمعية الخانقة، إلا بالتوجه الجاد والصادق نحو بغداد، والتعامل بقدر كبير من الواقعية مع مجريات الوقائع والاحداث، لا سيما أن التجارب اثبتت خطأ المراهنة والتعويل على الخارج من أجل فرض خيار معين، ربما يتقاطع بشكل أو باخر مع الثوابت والمصالح والمبادئ الوطنية.
 وطبيعي أن التفاهم والتوافق بين المركز والإقليم من شأنه أن يساهم في تطويق مساحات الخلافات داخل البيت الكردي، ويبعد عنه شبح العودة إلى الاقتتال الأهلي والتفكك والانقسام السياسي والمجتمعي والجغرافي، وفوق ذلك، يمكن أن يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحد من التدخلات الخارجية، لأنه متى ما كانت الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية هشة ومضطربة وقلقة، تشجع وتجرأ الآخرون على التدخل والحضور السلبي  المرفوض.  
والنقطة الاخرى التي لا تقل أهمية عن النقاط المشار اليها، هي أنه من غير المعقول أن يشهد العراق انفتاحا كبيرا على محيطه الاقليمي والعربي، والفضاء الدولي العام، وأن يشكل محطة لالتقاء الخصوم والفرقاء الإقليميين، في الوقت الذي يعجز قادته وأصحاب القرار فيه عن تطويق واحتواء خلافاتهم واختلافاتهم، وتأسيس قاعدة رصينة وقوية للحوار المنتج للحلول والمعالجات الحقيقية  المطلوبة.
 ومما لا يختلف عليه اثنان هو أن تعزيز مكانة العراق الإقليمية والدولية، وحضوره الفاعل في كل المحافل والميادين، وحضور الآخرين فيه، سياسيا واقتصاديا، يتطلب أن تكون بيئته السياسية والامنية والمجتمعية مستقرة وجاذبة، وكما مثّل القضاء على تنظيم داعش الارهابي منجزا أمنيا مهما، فإن تطويق واحتواء المشكلات والازمات والخلافات بين الشركاء في داخل الوطن، يعدّ منجزا سياسيا لا يقل أهمية عن المنجز الأمني، لأن كلاهما يكملان الآخر، وأي خلل في أحدهما، لا بد أن ينعكس سلبا ويلقي بظلاله على الآخر، وتجارب الماضي اثبتت ذلك وأكدته على أرض الواقع.
 وأيا تكن مسارات الحوار وظروفه وعناوينه وادواته وضروراته بين بغداد واربيل، فإنه لن يثمر ولن ينتج ما لم يتأسس على الثقة الحقيقية، التي ربما تكون قد غابت في اغلب المراحل والمحطات السابقة، ان لم تكن جميعها، وهذا ما يعيدنا إلى ما قلناه سابقا، واشرنا اليه في أول السطور.